من أحدهما حالًا ومآلًا على الصحيح وللقياس من أصل ثابت بأحدهما وأنه مظهر لا مثبت فمرجع الأحكام ومثبتها اثنان في الحقيقة فظهر من هذا أن ما يدعيه بعض المتصوفة في زماننا إذا أنكر عليهم بعض أمورهم المخالف للشرع الشريف أن حرمة ذلك في العلم الظاهر وأنا أصحاب العلم الباطن وأن حلال فيه وأنكم تأخذون من الكتاب وأنا نأخذ من صاحبه محمد عليه الصلاة والسلام فإذا أشكل علينا مسألة استفتيناها منه فإن حصل قناعة فيها وإلا رجعنا إلى الله تعالى بالذات فنأخذ منه وإنا بالخلوة وهمة شيخنا نصل إلى الله تعالى فينكشف لنا العلوم فلا تحتاج إلى الكتب والمطالعة والقراءة على الأستاذ والوصول إلى الله تعالى لا يكون إلا برفض العلم الظاهر والشرع وإنا لو كنا على الباطل لما حصل لنا تلك الحالات السنية والكرامات العلية من مشاهدة الأنوار ورؤية الأنبياء الكبار وإنا إذا صدر منا مكروه أو حرام ينبهنا في النوم بالرؤيا فنعرف بها الحلال والحرام وأن ما فعلنا مما قلتم أنه حرام لم ننه عنه في المنام فعلمنا أنه حلال وذلك من الترهات كله إلحاد وضلال إذ فيه ازدراء للشريعة الحنيفية والكتب والسنة النبوية وعدم الاعتماد عليهما وتجويز الخطأ والبطلان فيهما والعياذ بالله تعالى فالواجب على كل من يسمع مثل هذه الأقاويل الباطلة الإنكار على قائله والجزم ببطلان مقاله بلا شك ولا تردد ولا توقف ولا تلبث وإلا فهو من جملتهم فيحكم بالزندقة عليهم وقد صرح العلماء بأن الإلهام ليس من أسباب المعرفة بالأحكام وكذلك الرؤيا في المنام خصوصًا إذا خالفا كتاب العليم العلام أو سنة محمّد - عليه السلام - وقد قال سيد الطائفة الصوفية وإمام أرباب الطريقة والحقيقة جنيد البغدادي عليه رحمة الهادي: الطرق كلها مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول - عليه السلام - وقال من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا ومذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وقال السري السقطي التصوف اسم لثلاث معان وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب ولا يحمله الكرامات على هتك محارم الله تعالى وقال أَبو يزيد البسطامي رحمه الله لبعض أصحابه قم بنا حثى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية وكان رجلًا مقصودًا مشهورًا بالزهد فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى بزاقة تجاه القبلة فانصرف أَبو يزيد البسطامي ولم يسلم عليه وقال هذا رجل غير مأمون على أدب من آداب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف يكون مأمونًا على ما يدعيه.
ثم بعد هذا يعلق على هذا الأمر فيقول: انظر أيها العاقل الطالب للحق أن هؤلاء عظماء مشايخ علماء الطريقة وكبراء أرباب السلوك إلى الله تعالى والحقيقة وكلهم يعظمون الشريعة الشريفة ويبنون علومهم الباطنة على السيرة الأحمدية والملة الحنيفية فلا يغرنك طامات الجهال المتنسكين وشطحهم الفاسدين المفسدين الضالين المضلين لغيرهم بعد أن كانوا رائفين عن الشرع القويم ومائلين عن الصراط المستقيم خارجين عن مناهج علماء الشريعة ومارقين عن مسالك مشايخ الطريقة فالويل كل الويل لهم ولمن تبعهم أو حسنوا أمرهم فهم قطاع طريق الله تعالى على