تعصف بمن فيه التيارات المتضاربة في المجتمع.
ومن الطريف أن نقرأ تلك القصيدة التي اختارها كلها القزاز لعلها تعكس لنا مشاعره إلى حد ما أو تجاوبه مع أحاسيس وتصور لنا مع ذلك نموذجًا من التعبير الفني الذي يميل إليه القزاز. وهي قصيدة لابن الزنجي الكاتب القيرواني:
سقى الغيظ في طي الضمير المكتم ... دماء كلاب حُلَلّت في المحرمِ
فلا أرقأ الله الدموع التي جرت ... أسىً وجوىً فيما أريق من الدم
هي المنّة العظمى التي جل قدْرُها ... وسارت بها الركاب في كل موسم
فيا سمرًا أمسى علالة مُنْجد ... ويا خبرًا أضحى فكاهة مُتهِمٍ
ويا نِعْمَةً بالقيروان تباشرت ... بها عصب حَوْل الحطيم وزمزمِ
وأهدت إلى قَبرِ النبي وصحبه ... سلامًا كعرف المسك من كل مسلمٍ
غزونا أعادي الدين لا الرمح ينثنى ... نيرًا ولا حد الحسام المصممِ
بكل فتىً شَهْمٍ الفؤاد كأنما ... تسربل يوم الروع جلْدَة شيهم
ذا أم لم يشدد عُرَاه تخَوفٌ ... وإِنَّ هَمْ لم يُحلل حُبي مُتَقَدمٍ
من القيروانيين في المنصب الذي ... نَمَى وإلى خير البرية ينتمي
وكنا نظن الكفر في جاهليةٍ ... فتعسًا لكفر جاهليٍّ مخضرمٍ
سببتم عتيقًا والإمامين بعده ... فلم تُعتقوا يوم الحريق المضرمِ
وسؤتم نبي الله في خير أهله ... وأفضل بكْرٍ في النساء وأيِّمٍ
وكم عاثر منكم إذا صافح الثرى ... من الذعر قلنا لليدين وللفم
فلا نفق في الأرض أخفى مكانكم ... ولا شاهق يُرقى إليه بُسلمٍ
لقد رفضتكم كل أرض وبُقعة ... وقد صَرَخَتْ منكم بقاع جهنمِ
لعمري إن هذه القصيدة الرائعة جميلة فهي قوية البناء جديدة السبك سلسة الألفاظ قوية الإيحاء لطيفة التشبيه، وهي من ناحية أخرى صادقة التعبير عن المشاعر السنية تجاه الشيعة الحاكمة بالعسف والطغيان. وقد عبَّر البيت الثاني:
فلا أرق الله الدموع التي جرت ... أسى وجوى فيما أريق من الدم
عن الثأر الدفين الذي حمله القيروانيون للعبيديين. ولا شك أنها نستوقفنا تلك الأبيات التي تمجد الخلفاء الراشدين وتؤكد صلة ما بين القيروانيين وآل النبي من قربى وانتماء، وأنهم إنما