السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}، وقال قوم: هو الفلك الأعلى والكرسي فلك الكواكب، واستدل بما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما السماوات السبع والأرضون السبع في جنب الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة والكرسي عند العرش كذلك (انتهى).
وقد استقرت العادة منذ القديم أن يختص العظماء من ولاة الناس وحكامهم ومصادر أمورهم من المجلس بما يختص بهم ويتميزون به عن غيرهم كالبساط والمتكأ حتى آل الأمر إلي إيجاد السرر والتخوت فاتخذ للملك ما يسمي عرشًا وهو أعظم وأرفع وأخص بالملك، والكرسي يعمه وغيره، واستدعي التداول والتلازم أن يعرف الملك بالعرش كما كان العرش بالملك في أول الأمر فصار العرش حاملًا لمعني الملك مثلًا لمقام السلطنة إليه يرجع وينتهي، وفيه تتوحد أزمة المملكة في تدبير أمورها وإدارة شؤونها.
واعتبر لاستيضاح ذلك مملكة من الممالك قطنت فيها أمة من الأمم لعوامل طبيعية أو اقتصادية أو سياسية استقلوا بذلك في أمرهم وتميزوا من غيرهم فأوجدوا مجتمعًا من المجتمعات الإنسانية واختلطوا وامتزجوا بالأعمال ونتائجها ثم اقتسموا في التمتع بالنتائج فاختص كل بشيء منها على قد زنته الإجتماعية.
كان من الواجب أن تحفظ هذه الموحدة والاتصال المتكون بالاجتماع بمن يقوم عليها فإن التجربة القطعية أوضحت للإنسان أن العوامل المختلفة والأعمال والإرادات المتشتتة إذا وجهت نحو غرض واحد وسيرت في مسير واحد لم تدم علي نعت الاتحاد والملاءمة إلا أن تجمع أزمة الأمور المختلفة في زمام واحد وتوضع في يد من يحفظه ويديم حياته بالتدبير الحسن فتحيي به الجميع وإلا فسرعان ما تتلاشي وتتشتت.
ولذلك تري أن المجتمع المترقي ينوع الأعمال الجزئية نوعًا نوعًا ثم يقدم زمام كل فيعطي كل نوع كرسيًا فوق ذلك، وعلي هذا القياس حتى ينتهي الأمر إلي زمام واحد يقدم إلي العرش ويهدي لصاحب العرش.
ومن عجيب أمر هذا الزمام وانبساطه وسعته في عين وحدته أن الأمر الواحد الصادر من هذا المقام يسير في منازل الكراسي التابعة له علي كثرتها واختلاف مراتبها فيتشكل في كل منزل بشكل يلائمه ويعرف فيه، ويتصور لصاحبه بصورة ينتفع بها ويأخذ ملاكًا لعمله. يقول مصدر الأمر "ليجر الأمر" فتأخذه المصالح المالية تكليفًا ماليًا ومصالح السياسة تكليفًا سياسيًا، ومصالح الجش تكليفًا دفاعيًا وعلي هذا القياس كلما صعد أو نزل.
فجميع تفاصيل الأعمال والإرادات والأحكام المجراة فيها المنبسطة في المملكة وهي لا تحصي كثرة أو لا تتناهي لا تزال تتوحد وتجتمع في الكراسي حتى تنتهي إلي العرش فتتراكم عنده بعضها علي بعض وتندمج وتتداخل وتتوحد حتى تصير واحدًا هو في وحدته كل التفاصيل فيما دون العرش، وإذا سار هذا الواحد إلي ما دونه لم يزل يتكثر ويتفصل حتى ينتهي إلي أعمال