وأما الأحاديث المذكورة في تفسيرنا فمعظمها من الصحاح الستة وقد تجد تخريجها مسطورًا في الحاشية وكل معنى ذكرنا فيه بصيغة أو فما هو إلا للسلف وما ذكرناه بقيل فأكثره من مخترعات المتأخرين مما ظفرنا به وأما وجه الإعراب فما اخترت إلا الأظهر والذي ذكرت فيه وجهين أو وجوها فلنكتة واجتهدت في تنقيح الكلام ومآخذ كتابي المعالم والوسيط وتفسير ابن كثير والنسفي والكشاف مع شروحه الحلبي والكشف وشرح المحقق التفتازاني وتفسير البيضاوي وقلما تجد آية إلا وقد وفرتُ في تفسيرها إلى دفع الإشكال أو إلى تحقيق مقال بعبارة وجيزة أو ما آت إليه بإشارة لطيفة دقيقة في كثير من المواضع أوضحته في الحاشية" أ. هـ.
قلت: ومما نقلناه من كتاب "كشف الظنون" وما قاله صاحب الترجمة من اعتماده على تفسير ابن كثير ورحمه الله تعالى بقوله: "فأعتمد على نقل الشيخ الناقد في الرواية عماد الدين بن كثير فإن تفسيره قد تفحّص في تصحيح الرواية، وتجسس عن عجرها .. " إلى آخر كلامه. وهو كما قال: فقد تتبعنا مواضع من تفسير هذا، وخاصة ما يتعلق بالأسماء والصفات، فكان نقله عن ابن كثير واضحًا، بل جُلَّه منه، وهو لا يحيد عن ذلك، وباقي تفسيره أيضًا، وإليك أيها القارئ الكريم بعضًا من تلك المواضع، مع العلم أنه فيه يظهر على قول السلف وأئمة السنة والجماعة وخلوه من علم الكلام على مذاهب الأشعرية أو الماتريدية أو غيرها، وإن تمَّ تحريه فهو على قول السلف، وخاصة في الأسماء والصفات ... والله الموفق وهو أعلم بالقلوب.
قال في قوله تعالى {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}(٣/ ٣١٥): "بحيث نراك ونحفظك ونرعاك .. " وقول ابن كثير في تفسيره حولها (٤/ ٢٤٦): "أي اصبر على إذا هم ولا تبال بمرآى منا وتحت كلاءتنا والله يعصمك من الناس" أ. هـ.
وقال في قوله تعالى {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}(٣/ ٣٢٦): "بمرأى منا، والمراد: الحفظ يقال للمودع: عين الله عليك (جزاءً) أي فعلنا كل ذلك جزاء" أ. هـ.
وقال ابن كثير (٤/ ٢٦٦): "أي بأمرنا بمرآى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا" أ. هـ.
وقال في قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}: "تراه عيانًا، ولا يبعد أن يخلق نور المشاهدة في جميع الوجه، كما تتكلم الأيدي والأرجل (١)، وحين يرى ربه لا تلتفت إلى غيره،
(١) يعني يصير وجه الإنسان حينئذ كإنسان العين، فترى يومئذ الوجوه وجه الله بلا تشبيه ولا جهة ولا مقابلة أهم منه. وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: "أن ناسًا قالوا: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: هل تضارون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا. قال: فإنكم ترونه كذلك "وقال ابن القيم في الصواعق المرسلة: وقد دل النقل الصحيح على أنهم يرونه سبحانه من فوقهم، لا من تحتهم كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع عليهم نور. فرفعوا رؤوسهم. فإذا الجبار جل جلاله قد أشرق عليهم من فوقهم، وقال: يا أهل الجنة سلام عليكم، ثم أقرأ (سلام قول من رب رحيم)، ثم يتوارى عنهم وتبقى رحمته وبركته عليهم في ديارهم "فلا يجتمع الإقرار بالرؤية وإنكار الفوقية والمباينة. ولهذا فإن الجهمية المغول تنكر علوه على خلقه ورؤية المؤمنين له في الآخرة. ومخانثيهم يقرون بالرؤية وينكرون العلو. وقد ضحك جمهور =