تفسيره لقوله تعالى في الآية (٤) من سورة الفلق {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} نجده بعد أن يفسر معنى النفث والعقد، يفسر المراد بالنفاثات في الآية فيقول: (المراد بهم هنا هم النمامون، المقطعون لروابط الألفة، المحرقون لها بما يلقون عليها من ضرام نمائمهم، وإنما جاءت العبارة كما في الآية، لأن الله جل شأنه أراد أن يشبههم بأولئك السحرة المشعوذين، الذين إذا أرادوا أن يحلوا عقدة المحبة بين المرء وزوجه -مثلًا- فيما يوهمون به العامة، عقدوا عقدة ثم نفثوا فيها وحلوها، ليكون ذلك حلا للعقد التي بين الزوجين، والنميمة تشبه أن تكون ضربًا من السحر لأنها تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة، بوسيلة خفية كاذبة. والنميمة تضلل وجدان الصديقين. كما يضلل الليل من يسير فيه بظلمته. ولهذا ذكرها عقب ذكر الغاسق .. ".
ثم تطرق إلى مسألة خطيرة وهي إنكاره لبعض الأحاديث الصحيحة التي ثبتت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إنكاره لبعض الأحاديث الصحيحة:
ثم راح الشيخ -رحمه الله- يرد ما جاء من الروايات في سحر الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال:(وقد رووا هنا أحاديث في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سحره لبيد ابن الأعصم، وأثر سحره فيه، حتى كان يخيل له أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله، أو يأتي شيئًا وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك، وأخرجت مواد السحر من بئر، وعوفي - صلى الله عليه وسلم - مما كان نزل به من ذلك، ونزلت هذه السورة، ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه - عليه السلام - حتى يصل به الأمر إلى أن يظن أنه يفعل شيئًا وهو لا يفعله، ليس من قبيل تأثير الأمراض في الأبدان، ولا من قبيل عروض السهو والنسيان في بعض الأمور العادية، بل هو ماس بالعقل، آخذ بالروح، وهو مما يصدق قول المشركين فيه {إِنْ تَتَّبِعُونَ إلا رَجُلًا مَسْحُورًا} (١)، وليس المسحور عندهم إلا من خولط في عقله، وخيل له أن شيئًا يقع وهو لا يقع، فيخيل إليه أنه يوحى إليه، ولا يوحى إليه، وقد قال كثير من المقلدين الذين لا يعقلون ما هي النبوة ولا ما يجب لها: إن الخبر بتأثير السحر في النفس الشريفة قد صح فيلزم الاعتقاد به، وعدم التصديق به من بدع المبتدعين، لأنه ضرب من إنكار السحر، وقد جاء القرآن بصحة السحر، فانظر كيف ينقلب الدين الصحيح. والحق الصريح في نظر المقلد بدعة، ونعوذ بالله .. يحتج بالقرآن على ثبوت السحر ويعرض عن القرآن في نفيه السحر عنه - صلى الله عليه وسلم -، وعده من افتراء المشركين عليه. ويؤول في هذه ولا يؤول في تلك، مع أن الذي قصده المشركون ظاهر، لأنهم كانوا يقولون: إن الشيطان يلابسه عليه الصلاة والسلام، وملابسة الشيطان تعرف بالسحر عندهم، وضرب من ضروبه، وهو بعينه أثر السحر الذي نسب إلى لبيد، فإنه خولط في عقله وإدراكه في زعمهم).
والذي يجب اعتقاده أن القرآن مقطوع به، وأنه كتاب الله بالتواتر عن المعصوم - صلى الله عليه وسلم -، فهو الذي يجب الاعتقاد بما يثبته، وعدم الاعتقاد بما ينفيه، وقد جاء بنفي السحر عنه - عليه السلام -، حيث نسب القول بإثبات حصول السحر له إلى المشركين أعدائه، ووبخهم على زعمهم هذا، فإذا