للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الأول الذي أرمى إليه في قراءة التفسير) (١).

هذا .. وإن الأستاذ الإمام لا يريد من كلامه السابق أن يهمل الناحية البلاغية أو النحوية مثلًا في تفسير القرآن، ولكنه يريد أن يأخذ المفسر من ذلك بمقدار الضرورة، فيبين المفسر -مثلًا- من وجوه البلاغة، وضروب الإعراب بقدر ما يحتمله المعنى، وعلى الوجه الذي يليق بفصاحة القرآن وبلاغته. وذلك بدون أن يتجاوز مقدار الحاجة.

ثم إنا نجد الأستاذ الإمام -وقد وضع لنفسه هذه الخطة في التفسير- يشترط شروطًا لا بد من توفرها عند من يريد أن يفسر القرآن يحقق الغرض منه، وقد ذكرناها بحملها عند كلامنا عن العلوم التي يحتاج إليها المفسر.

القرآن لا يتبع العقيدة وإنما تؤخذ العقيدة من القرآن:

ويري الأستاذ الإمام: أن القرآن الكريم هو الميزان الذي توزن به العقائد لتعرف قيمتها، ويقرر أنه يجب على من ينظر في القرآن أن ينظر إليه كأصل تؤخذ منه العقيدة، ويستنبط منه الرأي، وينعى على ما كان من كثر المفسرين، من تسلط العقيدة عليهم، ونظراتهم للقرآن من خلالها، حتى تأولوا القرآن بما يشهد لعقائدهم، ويتمشى معها، وفي هذا يقول: (إذا وزنا ما في أدمغتنا من الاعتقاد بكتاب الله تعالى، من غير أن ندخلها أولًا فيه، يظهر لنا كوننا مهتدين أو ضالين، وأما إذا أدخلنا ما في أدمغتنا في القرآن، وحشرناها فيه أولًا، فلا يمكننا أن نعرف الهداية من الضلال، لاختلاط الموزون بالميزان فلا يدري ما هو الموزون به).

(أريد أن يكون القرآن أصلا تحمل عليه المذاهب والآراء في الدين، لا أن تكون المذاهب أصلًا والقرآن هو الذي يحمل عليها، ويرجع بالتأويل أو التحريف إليها. كما جرى عليه المخذولون، وناد فيه الضالون).

ثم قال: "وإن الأستاذ الإمام لم يكن كغيره من المفسرين الذين كلفوا بالإسرائيليات فجعلوا منها شروحًا لمبهمات القرآن، بل وجدناه على العكس من ذلك نفورًا منها، وشرودًا من الخوض فيها، لاعتقاده أن الله تعالى لم يكلفنا بالبحث عن الجزئيات والتفصيلات لما جاء به مبهمًا في كتابه، ولو أراد منا ذلك لدلنا عليه في كتابه أو على لسان نبيه، وهو يصرح بأن هذا هو (مذهبه في جميع مبهمات القرآن يقف عند النص القطعي لا يتعداه، ويثبت أن الفائدة لا تتوقف على سواه (٢) ".

وإذا نحن تتبعنا أقواله في مبهمات القرآن وجدناه محافظًا على هذا المبدأ، لا يعدل عنه ولا يحيد، إلا في مواضع قليلة نادرة".

ثم ذكر رأي محمّد عبدة بمسألة اللسحر فقال:

"موقفه من السحر:

ولقد كان من أثر إعطاء الأستاذ لنفسه الحرية الواسعة في فهم القرآن الكريم، أنا نجده يخالف رأي جمهور أهل السنة، ويذهب إلى ما ذهب إليه المعتزلة، من أن السحر لا حقيقة له، ولذلك عند


(١) تفسير المنار (١/ ٢٥).
(٢) نفس المرجع (١/ ٣٢٠).