للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قلت: وقد انكشفت الكربة بما حكاه ابن عساكر، وتبين لنا بها أن ما كان من هذا القبيل، كقوله يجب العمل بالقياس عقلًا، وبخبر الواحد عقلًا، وأنحاء ذلك، فالذي نراه أنه لما ذهب إليه كان ذلك المذهب، فلما رجع لا بد أن يكون قد رجع عنه، فاضبط هذا.

وقد كنت أغتبط بكلام رأيته للقاضي أبي بكر في "التقريب" "والإرشاد" وللأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني في "تعليقه" في أصول الفقه في مسألة شكر المنعم، وهو أنهما لما حكيا القول بالوجوب عقلًا عن بعض فقهاء الشافعية من الأشعرية قالا: اعلم أن هذه الطائفة من أصحابنا، ابن سريج، وغيره، كانوا قد برعوا في الفقه، ولم يكن لهم قدم راسخ في الكلام، وطالعوا على الكبر كتب المعتزلة، فاستحسنوا عباراتهم، وقولهم: "يجب شكر المنعم عقلا" فذهبوا إلى ذلك، غير عالمين بما تؤدي إليه هذه المقالة، من قبيح المذهب.

وكنت أسمع الشيخ الإمام رحمه الله يحكى ما أقوله عن الأستاذ أبي إسحاق، مغتبطًا به فأقول له: يا سيدي، قد قاله أيضًا القاضي أبو بكر، ولكن ذاك إنما يقال في حق ابن سريج، وأبي عليّ بن خيران، والإصطخري، وغيرهم من الفقهاء الذاهبين إلى ذلك، الذين ليس لهم في الكلام قدم راسخ، أما مثل القفال الكبير، الذي كان أستاذًا في علم الكلام، وقال فيه الحاكم: إنه أعلم الشافعيين بما وراء النهر بالأصول، فكيف يحسن الاعتذار عنه بهذا؟

فلما وقفت على ما حكاه ابن عساكر انشرحت نفسي له، وأوقع الله فيها أن هذه الأمور أشياء كان يذهب إليها، عند ذهابه القوم، ولا لوم عليه في ذلك بعد الرجوع وفي "شرح الرسالة" للشيخ أبي محمّد الجويني أن أصحابنا اعتذروا عن القفال نفسه حيث أوجب شكر المنعم، بأنه لم يكن مندوبًا في الكلام وأصوله.

قلت: وهذا عندي غير مقبول، لما ذكرت.

وقد ذكر الشيخ أبو محمّد بعد ذلك، في هذا الكتاب أن القفال أخذ علم الكلام عن الأشعري، وأن الأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ الكلام، وهذه الحكاية كما تدل على معرفته بعلم الكلام، وذلك لا شك فيه، كذلك تدل على أنه أشعري وكأنه لما رجع عن الاعتزال، وأخذ في تلقي علم الكلام عن الأشعري، فقرأ عليه على كبر السن، لعلي رتبة الأشعري، ورسوخ قدمه في الكلام، وقراءة الأشعري الفقه عليه تدل على علو مرتبته، أعني مرتبة القفال وقت قراءته على الأشعري، وأنه كان بحيث يحمل عنه العلم .. " أ. هـ.

* قلت: قال صاحب كتاب (مذهب أهل

التفويض) عند كلامه على الإمام أبو سليمان،

محمّد بن محمّد الخطابي، وأشهر ما ألفه، ما نصه:

"ومن أشهر ما ألف في شروح الأحاديث كتاباه: أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري ومعالم سنن أبي داود السجستاني، وقد اتصل سنده بأبي حسن الأشعري بواسطة أبي بكر القفال الشاشي، محمّد بن عليّ بن إسماعيل الذي أخذ علم الكلام عن الأشعري، وأن الأشعري كان يقرأ عليه الفقه، كما كان هو يقرأ عليه الكلام" أ. هـ.

وفاته: سنة (٣٦٥ هـ) خمس وستين وثلاثمائة،