الباقية إذا زال عنها الروح المدبر لها لم تبق إنسانًا ولكن يقال فيها: إنها صورة تشبه صورة الإنسان، فلا فرق بينها وبين صورة من خشب أو حجارة ولا ينطلق عليها اسم إنسان إلا بالمجاز لا بالحقيقة. وصورة العالم لا يتمكن زوال الحق عنها أصلًا، فحد الألوهية له بالحقيقة لا بالمجاز كما هو حد الإنسان.
إلى أن قال في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} قال: فإنهم إذا تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء فإن للحق في كل معبود وجهًا يعرفه من يعرفه، ويجهله من يجهله من المحمديين {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ} أي: حكم، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود. إلى أن قال:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} فهي التي خطت بهم، فغرقوا في محار العلم بالله، وهو الحيرة {فَأُدْخِلُوا نَارًا} في عين الماء في المحمديين {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} سجرت: التنور إذا أوقدته. {فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا} فكان الله عين أنصارهم، فهلكوا فيه إلى الأبد فلو أخرجهم إلى السيف -سيف الطبيعة لنزل بهم عن هذه الدرجة الرفيعة، وإن كان الكل لله وبالله، بل هو الله. وقال في قوله:{يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} فالولد عين أبيه، فما رأى يذبح سوى نفسه، وفداه بذبح عظيم، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان، لا بل بحكم ولد من هو عين الوالد، {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} فما نكح سوى نفسه فمنه الصاحبة والولد والأمر واحد في العدد. وفيه:
فيحمدني وأحمده ... ويعبدني وأعبده
ففي حالٍ أقر به .. وفي الأعيان أجحده
فيعرفني وأنكره ... وأعرفه فأشهده
وقال: ثم تممها محمّد - صلى الله عليه وسلم - بما أخبر به عن الحق تعالى بأنه عين السمع والبصر واليد عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس، فاكتفى والرجل واللسان، أي: هو بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.
إلى أن قال: وما رأينا قط من عبد الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما نرجع إليه إلا بالتحديد، تنزيهًا كان أو غير تنزيه، أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق. ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا أيضًا تحديد، ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد، ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا ونحن محدودون فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله:{لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} حد أيضًا -إن أخذنا الكاف زائدة لغير الصفة، وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه. وإن أخذنا {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} على نفي المثل تحققنا بالمفهوم، وبالخبر الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة، وإن اختلفت حدودها، فهو