للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وروى أبو عبد الله بن منده (ت ٣٩٥ هـ) عن حمزة العقبي المصري وغيره، أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق، فسئل بها عن معاوية، وما جاء في فضائله، فقال: ألا يرضى رأسًا برأس حتى يُفضل.

وفي رواية: ما أعرف له فضيلة إلا، لا أشبع الله بطنه".

فما زالوا يدفعون في حِضْنَيْه حتى أخرجوه من المسجد، وفي رواية أخرى "يدفعون في حضنيه وداسوه، ثم حمل إلى الرحلة فمات".

وقال ابن كثير في بدايته: "وإنه إنما صنف الخصائص في فضل علي وأهل البيت، لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة اثنتين وثلاثمائة عندهم نفرة من علي، وسألوه عن معاوية، فقال ما قال، فدفعوه في خصيتيه فمات".

هذا ما قاله هؤلاء الأئمة في اتهامه بالتشيع وسببه.

لكن في هذا الكلام وهذه التهمة له نظر كبير. وأشار لتضعيف هذا ابن كثير بقوله -السابق نقله-: "قد قيل عنه إنه كان ينسب إليه شيء من التشيع" فانظر كيف استبعد هذا الأمر واستثقله بالإشارة لضعفه بـ"قيل عنه" و"كان يُنسب إليه" وقوله "شيء" لا أنه متشيع.

وقول ابن تغري بردي: "كان فيه تشيع حسن" وقول الذهبي: "قليل تشيع".

ثم قال في الدفاع عنه (ص ٧٣٠):

قال الشيخ أبو إسحاق الجويني حجازي بن محمد في معرض دفاعه عن الإمام النسائي:

"وفي ذلك نظر عندي .. فكأنهم اتهموه بالتشيع لأمرين:

الأول: أنه صنف في فضائل علي في دمشق رغم كثرة المخالفين وهياج السواد الأعظم عليه، مع كونه لم يكن صنف في فضائل الشيخين وعثمان رضي الله عنهم.

الثاني: غضه لمعاوية رضي الله عنه.

-فأما الجواب عن الأمر الأول، فقد أوضحه النسائي نفسه، وذلك أنه دخل دمشق وأهل الشام موقفهم من علي معروف ومشتهر، فبادر بتصنيفه "الخصائص" رجاء أن يهديهم الله تعالى: إلى الحق في المسألة وهو: تفضيل علي على معاوية رضي الله عنهما.

وأما الجواب عن الأمر الثاني: فجواب دقيق يحتاج إلى تأمل، والذي يظهر لي أن النسائي ما قصد الغض من معاوية قط -إن شاء الله تعالى- ولكن جرى أهل العلم والفضل -كما قال الشيخ العلامة ذهبي العصر المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في التنكيل (١) - على أنهم إذا رأوا بعض الناس غلوا في بعض الأفاضل أنهم يطلقون فيهم بعض كلمات يؤخذ منها الغض من ذاك الفاضل، لكي يكف الناس عن الغلوفيه الحامل على أتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه؛ وذلك لأن كثر الناس مغرمون بتقليد من يعظم في نفوسهم والغلو في ذلك حتى إذا قيل لهم: إنه غير معصوم عن الخطأ، والدليل قائم على خلاف قوله عن كذا، فدلّ على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطأ فيه. قالوا: هو


(١) التنكيل (١/ ١٢).