للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أعلم منك بالدليل، وأنتم أولى بالخطأ منه، فالظاهر أنه قد عرف ما يدفع دليلكم هذا! ولذا ترى بعض أهل العلم يغضُّ من مكانة ذلك الفاضل لردع هؤلاء السائمة!

فمن ذلك ما يقع في كلام الإمام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكًا من اختلاق كلمات فيها غض من مالك مع ما عُرف عن الشافعي من تبجيل أستاذه مالك كما رواه عنه حرملة: "مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين". ومنه ما تراه في كلام مسلم في "مقدمة صحيحه" مما يظهر الغض الشديد من مخالفه في مسألة اشتراط العلم باللقاء. والمخالف هو البخاري، وقد عُرِف عن مسلم تبجيله للبخاري. وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها مخارج مقبولة وإن كان ظاهرها التشنيع الشديد. قلت [أي الشيخ حجازي]: "فقول النسائي في معاوية يخرج من هذا المخرج، وعلى هذا تحمل كلمته، فقد رأى خلقًا احترقوا في حب معاوية، وهلكوا في بغض علي رضي الله عنهما، فأراد أن يغض من معاوية قليلًا حتى لا يهلك فيه ذلك المحترق!

وإلا فقد قال النسائي (١) وسئل عن معاوية: "إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة. فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الدار، قال: فمن أراد معاوية فإنما أراد الصحابة".

ثم إن قوله - صلى الله عليه وسلم - عن معاوية: "لا أشبع الله بطنه" لا يعدُّ ثلبًا بل هي منقبة لمن تأملها. ووجه الاستدلال على هذه المنقبة الحديث الذي رواه مسلم وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأم سليم: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرًا" هذه ما فهمه أئمة السلف كمسلم وغيره.

حتى قال الحافظ الذهبي: "ولعل هذه منقبة لمعاوية" أ. هـ.

وذكر المزي (٢) عن الحافظ ابن عساكر أنه روى قول النسائي في معاوية، ثم قال: وهذه الحكاية لا تدل على سوء اعتقاد أبي عبد الرحمن في معاوية بن أبي سفيان، وإنما تدل على الكف عن ذكره بكل حال" أ. هـ. بتصرف يسير.

وقال د. فاروق حمادة: "فهذا قول أهل العلم في هذا الأمر، وهذا قول الإمام النسائي في معاوية والصحابة. وأزيد فاقول: "إن الإمام النسائي لما صنف كتاب فضائل الصحابة أخرج فيه أولًا فضائل الشيخين وعثمان وجعل عليًّا هو الرابع , فهذا يدل على ما ذكرناه. بل ما يؤكد نفي هذا الكلام عنه أنه أخرج أيضًا (٣) في هذا الكتاب حديثين في فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنهما، والله تعالى أعلم بالصواب.

{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أ. هـ.


(١) ذكره عنه المزي في التهذيب (١/ ٣٣٩).
(٢) تهذيب الكمال (١/ ٣٣٩).
(٣) فضائل الصحابة (٧٤) طبعة الثقافة تحقيق الدكتور فاروق حمادة، الطبعة الأولى (١٤٠٤ هـ- ١٩٨٤ م).