على الفلاسفة ونقض أقوالهم، ومن قال إنه متكلم متفلسف فقد عبر فعلًا عن ما تحويه كتبه من موافقة لأهل الفلسفة وأهل الكلام.
أما القول الرابع وهو أن الرازي مر بمراحل فقد تبناه الدكتور محمود قاسم، وتابعه في ذلك تلميذه محمّد صالح الزركان، وعلى هذا الرأي بنى رسالته العلمية عن الرازي، فذكر -في كل مسألة من مسائل الفلسفة أو العقيدة- أن الرازي مر فيها بمرحلتين أو أكثر حسب ما هو موجود في كتبه المختلفة).
ثم أورد د. عبد الرحمن المحمود بعض الاعزاضات على الزركاني صاحب كتاب "فخر الدين الرازي" نشير إلى واحدة منها لأهميتها: (هناك جانب لا بد من الانتباه إليه بالنسبة للذين خاضوا في الفلسفة من علماء الأشاعرة، وهو أنهم يحرصون كثيرًا على إخفاء ما عندهم من عقائد توافق مذاهب الفلاسفة، ولذلك فهم يكتمون بعض أمورهم ويلمحون لذلك في مواضع من كتبهم، وأبرز الأمثلة على ذلك الغزالي -كما سبق- أما الرازي فكان خوضه في علوم الفلاسفة صريحًا حتى هاجمه وانتقده -بسبب ذلك- بعض علماء الأشاعرة ومع ذلك فوصل الأمر به إلى إخفاء بعض الأمور، ومن الأمثلة على ذلك:
١ - قوله في المباحث المشرقية حين عرض لمسألة العقول والجواهر المجردة التي قال بها الفلاسفة:"هذا ما نقوله في هذا الموضع وهذا الفصل من كلامنا، وهو مشتمل على رموز ونكت من استحضر الأصول الماضية وقف عليها، وظفر منها بالحق الذي لا محيص عنه، ولكنا تركناها مستورة لئلا يصل إليها إلا من هو أهلها".
٢ - وفي شرحه لكتاب الإشارات والتنبيهات قال بعد ذكر قول ابن سينا في آخرها:"خاتمة ووصية: لأني قد محضت لك في هذه الإشارات عن زبدة الحق، وألقمتك قفى الحكم في لطائف الكلم، فصنه عن الجاهلين والمبتذلين، ومن لم يرزق الفطنة الوقادة، والدربة والعادة، وكان صغاه مع الغاغة، أوكان من ملاحدة هؤلاء الفلاسفة ومن همجهم، فإن وجدت من تثق بنقاء سريرته واستقامة سيرته وبتوقفه عما يتسرع إليه الوسواس، وبنظره إلى الحق بعين الرضا والصدق، فآته ما يسألك منه، مدرجًا، مجزأ، مفرقًا، تستغرس مما تسلفه لما تستقبله، وعاهده بالله وبأيمان لا مخارج لها، ليجرى فيما تأتيه مجراك متأسيًا بك، فإن أذعت هذا العلم، أو أضعته فالله بيني وبينك وكفى بالله وكيلًا"، قال الرزاي معلقًا على هذا الكلام:"وأنا أيضًا أوصيك يا أخي في الدين وصاحبي في طلب اليقين أن تعمل بهذا الشرح ما أمرك الشيخ به، وأن لا تعدل عن قانون قوله، فإنك بعد اطلاعك على ما فيه، ووقوفك على حقائقه ومعانيه تعلم أن الضنة إن أحسنت في المشروح فهي واجبة في الشرح لكثرة ما فيها من الحقائق الدقيقة والمباحث العميقة".
٣ - والرازي -مثل الغزالي- يقسم الناس إلى خواص وعوام، فيقول في معرض تعداده لما ذكره العلماء من فوائد للمتشابهات في القرآن: "الوجه الخامس -وهو السبب الأقوى في هذا الباب- أن القرآن كتاب مشتمل على دعوة الخواص والعوام بالكلية، وطبائع العوام تنبو في أكثر الأمر عن