إدراك الحقائق، فمن سمع من العوام في أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا بمتحيز ولا مشار إليه، ظن أن هذا عدم ونفي فوقع في التعطيل، فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما يتوهمونه ويتخيلونه، ويكون ذلك مخلوطًا بما يدل على الحق الصريح"، وليس المقصود رد ما في كلامه من الباطل، وإنما بيان منهجه وأنه يقسم الناس إلى عوام وخواص.
فهذه الشواهد -من كلامه- تدل على أن الرازي يوافق الفلاسفة ويحسن الظن بعلومهم ويعتقد أنها لا تخالف علم الكلام، وهذا يدل على خطورة مذهبه ومنهجه، وأنه متكلم متفلسف خلط هذا بهذا، وقد اقتدى به كثير ممن أتى بعده".
وفي المبحث الثالث قال:"من القضايا المتعلقة بمنهج الرازي أنه يعتبر من الذين خلطوا الكلام بالفلسفة، وقد انتقده في ذلك بعض متأخري الأشعرية حتى قال السنوسي في شرح السنوسية الكبرى عنه "وقد يحتمل أن يكون سبب دعائه بهذا ما علم من حاله من الولوع بحفظ آراء الفلاسفة وأصحاب الأهواء وتكثير الشبه لهم، وتقوية إيرادها، ومع ضعفه عن تحقيق الجواب عن كثير منها على ما يظهر من تآليفه، ولقد استرقوه في بعض العقائد فخرج إلى قريب من شنيع آهوائهم، ولهذا يحذر الشيوخ من النظر في كثير من تآليفه"، وقال أيضًا في شرحه لعقيدته الأخرى "أم البراهين": "وليحذر المبتدي جهده أن يأخذ أصول دينه من الكتب التي حشيت بكلام الفلاسفة وأولع مؤلفوها بنقل هوسهم وما هو كفر صراح من عقائدهم التي ستروا نجاستها بما ينبههم على كثير من اصطلاحاتهم وعباراتهم التي أكثرها أسماء بلا مسميات، وذلك ككتب الإمام الفخر في علم الكلام، وطوالع البيضاوي ومن حذا حذوهما في ذلك، وقل أن يفلح من أولع بصحبة الفلاسفة"، وأشعرية الرازي لا يتطرق إليها أي شك، وهو وإن خالفهم أحيانًا أو رد على بعض أعلام الأشاعرة إلا أنه وضع بعض التآليف التي أصبحت فيما بعد عمدة يعتمد عليها الأشاعرة، وذلك مثل كتابه المحصل، والمعالم، والأربعين، والخمسين، وأساس التقديس، وهذا الأخير يعتبر من أقوى كتبه الأشعرية وأهمها ولذلك أفرد له شيخ الإسلام ابن تيمية كتابًا من أهم كتبه وأكبرها -وهو وإن كان لم يصل إلينا كاملًا- إلا أن الذين ذكروه تحدثوا عنه بما يفيد أنه أكبر من درء تعارض العقل والنقل، وما وجد من هذا الكتاب -مطبوعًا ومخطوطًا- يدل على أن شيخ الإسلام تتبع أقوال الرازي كلمة كلمة وعبارة عبارة ونقضها وبين ما فيها من مخالفة لمذهب السلف).
ثم بعد هذا يتكلم عن الدلالات التي تؤكد دخوله في الفلسفة، ويشير إلى أن أخطرها هو: (وأخطر قضية قال بها ووافق فيها الفلاسفة قوله بالتنجيم وأن للكواكب أرواحًا ثؤثر في الحوادث الأرضية، وكذلك قوله في السحر، وتأليفه في ذلك كتابًا مستقلًا سماه "السر المكتوم في مخاطبة النجوم" وقد أثار هذا الكتاب جدلًا حول صحة نسبته إليه، واختلف حوله، بين ناف، وشاك، ومثبت، وقد عرض الزركان الخلاف حوله، واستقصى أقوال العلماء في ذلك، ثم رجح