تصوف الغزالي، فهو تصوف فلسفي، يقوم على أن التجرد بالرياضة مع العلم والفلسفة يقودان إلى الكشوفات المباشرة، ولذلك حين يدلل على مذهبه في بقاء النفس الذي وافق فيه الفلاسفة يذكر منها:"أن عند الرياضات الشديدة يحصل للنفس كمالات عظيمة وتلوح لها الأنوار وتنكشف لها المغيبات).
ثم قال: (وأبرز الكتب التي ذكر فيها أمورًا كثيرة بالتصوف كتابه في شرح أسماء الله الحسنى الذي سار فيه على طريقة القشيري والغزالي في كتابيهما عن أسماء الله، وذلك في ذكر الاسم ومعناه ثم ذكر حال الصوفية والشيوخ مع هذا الاسم ودلالته عندهم، ولما ذكر الدعاء وأنه أعظم مقامات العبودية دلل على ذلك بأدلة منها "أن الداعي ما دام يبقى خاطره مشغولًا بغير الله فإنه لا يكون دعاؤه خالصًا لوجه الله، فإذا فنى عن الكل وصار في معرفة الأحد امتنع أن يبقى بينه وبين الحق وساطة"، وأطال القول في تفسير "هو" وذكر أن له هيبة عظيمة عند أرباب المكاشفات، ويقول: "إن لفظ هو. . نصيب المقربين السابقين الذين هم أرباب النفوس المطمئنة وذلك لأن لفظ هو إشارة، والإشارة تفيد تعين المشار إليه بشرط أن لا يحضر هناك شيء سوى ذلك الواحد"، ويقول عن موسى والخضر، ومعلوم اعتقاد الصوفية في الخضر-: "ثم إن موسى - عليه السلام - لما كملت مرتبته في علم الشريعة بعثه الله إلى هذا العالم ليعلم موسى - عليه السلام - أن كمال الدرجة في أن ينتقل الإنسان من علوم الشريعة المبنية على الظواهر إلى علوم الباطن المبنية على الإشراف على البواطن والتقطع على حقائق الأمور".
وإذا أضيف إلى كلامه هنا ما سبق أن ذكره حول النفوس المجردة يتبين أن تصوفه بناه على جوانب فلسفية قريبة مما ذكره ابن سينا وقد سبقت الإشارة إلى مدى إعجاب الرازي بأقواله في ذلك.
على أن مما يلفت الانتباه في تصوف الرازي -والصوفية تقول بالجبر في القدر لاستغراقهم في توحيد الربوبية- أنه صرح بالقول بالجبر فقال: "فثبت بهذا أن أفعال العباد بقضاء الله وقدره، وأن الإنسان مضطر باختيار، وأنه ليس في الوجود إلا الجبر"، وقال: "إن صدور الفعل عن العبد يتوقف على داعية يخلقها الله تعالى، ومتى وجدت تلك الداعية كان الفعل واجب الوقوع، وإذا كان كذلك كان الجبر لازمًا"، بل قال في شرح الإشارات: "إن العارف لا يكون له همة في البحث عن أحوال الخلق، ولا يغضب عند مشاهدة المنكر لعلمه بسر الله في القدر"، وبذلك يلتقى مع غلاة الصوفية في مقالاتهم الخطيرة، وأحوالهم المبطلة للشرائع).
ثم تكلم عن رجوعه فقال: (لم يكن الرازي بعيدًا عن مذهب السلف، فهو يشير إليه أحيانًا لكن ضمن مناقشاته الكلامية والفلسفية، والملاحظ أن عرضه له كثيرًا ما يأتي مشوهًا، فلما كان آخر حياته صرح بترجيحه لمذهب السلف وذلك في كتابيه المتأخرين المطالب العالية وأقسام اللذات، ثم في وصيته قبل وفاته:
١ - ففي المطالب العالية لما ذكر أدلة وجود الله رجح طريقة القرآن ثم قال: "وتحتم هذه الفصول