بخاتمة عظيمة النفع، وهي أن الدلائل التي ذكرها الحكماء والمتكلمون وإن كانت كاملة قوية، إلا أن هذه الطريقة المذكورة في القرآن عندي أنها أقرب إلى الحق والصواب، وذلك لأن تلك الدلائل دقيقة ولسبب ما فيها من الدقة انفتحت أبواب الشبهات وكثرت السؤالات، وأما الطريق الوارد في القرآن فحاصله راجع إلى طريق واحد، وهو المنع من التعمق، والاحتراز عن فتح باب القيل والقال، وحمل الفهم والعقل على الاستكثار من دلائل العالم الأعلى والأسفل، ومن ترك التعصب وجرب مثل تجربتي علم أن الحق ما ذكرته".
٢ - وفي أقسام اللذات -آخر كتبه- قال: "وأما اللذة العقلية فلا سبيل إلى الوصول إليها والتعلق بها، فلهذا السبب نقول يا ليتنا بقينا على العدم الأول وليتنا ما شهدنا هذا العالم، وليت النفس لم تتعلق بهذا البدن، وفي هذا المعنى قلت:
نهاية إقدام العقول عقال ... وغاية سعي العالمين ضلال. .
-ثم قال- "واعلم أن بعد التوغل في هذه المضائق، والتعمق في الاستكشاف عن أسرار هذه الحقائق رأيت الأصوب والأصلح في هذا الباب طريقة القرآن العظيم والفرقان الكريم، وهو ترك التعمق والاستدلال بأقسام أجسام السموات والأرضين على وجود رب العالمين، ثم المبالغة في التعظيم من غير خوض في التفاصيل. . .".
٣ - وفي وصيته المشهورة قال فيها: "لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيت فيها فائدة تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن" ثم قال: "ديني متابعة الرسول محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وكتابي القرآن العظيم، وتعويلي في طلب الدين عليهما).
وأخيرًا تكلم عن أثره فيمن جاء بعده: (ويمكن أن يلاحظ ذلك فيما يلي:
أ- أن من جاء بعده من الأشاعرة اعتمد -في تقرير أصول المذهب الأشعري- على ما كتبه الرازي، لأنه استقصى ما يمكن أن يقال مما جاء به المتقدمون من الأشاعرة وزاد على ذلك، ومن ثم أصبحت كتبه مصادر ميسرة ومستوعبة لأدلة الأشاعرة في تقرير مذهبهم والرد على خصومهم.
ب- كانت للرازي اجتهادات في المذهب الأشعري، وصلت إلى حد القرب من المعتزلة أحيانًا، والرد على أدلة الأشاعرة وتضعيفها أحيانًا أخرى، مع النقد لأعلام الأشاعرة في مناسبات مختلفة، ومن الأمثلة على ذلك:
١ - نقده للغزالي، وللبغدادي، وللشهر ستاني، وقد جاء نقده لهؤلاء في مناظراته في بلاد ما وراء النهر.
٢ - وفي مسألة الرؤية ضعف دليل الأشاعرة العقلي، واقتصر في إثباتها على السمع -وقد سبقت الإشارة إلى هذا عند الحديث عن الماتريدية-.
٣ - كما نقد دليل الأشاعرة على إثبات صفة السمع والبصر- وقد مر قريبًا.
٤ - وكذا في صفة المحبة بين -كما تقدم- أنه لا دليل لهم على تأويلها بالإرادة.
٥ - وفي حصرهم الصفات الثابتة بسبع نقدهم