قطع لانتهت الصلاحية. ومثل الإنسان عندما يموت تنتهي صلاحيته لمهمته، والعناصر الجامدة عندما تأتي مع بعضها تتفاعل، هذا التفاعل فرع وجود الحياة، لكنها حياة مناسبة لها وليست مثل حياتنا"أ. هـ.
ثم قال في قوله تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ} الآية (٢/ ١١٠٢):
"وقوله الحق: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ} نجد أن كلمة "شيء" تعنى أقل القليل.
وقوله سبحانه "من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض، يعلمنا أن الحق فيما يتكلم به عن نفسه ولخلقه فيه نظائر، كالوجود، هو سبحانه موجود وأنت موجود، وكالغني هو غني وأنت غني، كالعلم هو عالم وأنت تكون عالما، فهل نقول: إن الصفة لله كالصفة عندنا؟ لا، كذلك كل ما يرد بالنسبة للغيب فيما يتعلق بالملّه إضافة أو وصفا؛ لا تأخذها بالمناسب عندك؛ بل خذها في إطار "ليس كمثله شيء".
فإذا قيل لله يد، قل: هو له يد كما أن له وجودا؛ وبما أن وجوده ليس كوجودي فيده ليست كيدي بل أفهمها في إطار "ليس كمثله شيء"، فإذا قال: "وسع كرسيه"، نقول: هو قال هذا، وما دام قال هذا فسنأخذ هذه الكلمة في إطار "ليس كمثله شيء". فلا تقل له كرسي وسيقعد عليه مثلنا، لا. لقد وجدنا من قال أين يوجد الله؟ ! ! متى وجد؟ ! ! وقلنا ونقول: "متى" و"أين" لا تأتي بالنسبة لله، إنها تأتي بالنسبة لكم أنتم، لماذا؟ لأن "متى" زمان و "أين" مكان. والزمان والمكان ظرفان للحدث، فالشيء الحادث هو الذي له زمان ومكان، مثال ذلك أن أقول: "أنا شربت" وما دام قد حدث الشرب فيكون له زمان ومكان، لكن هب أنني لم أشرب، أيكون هناك زمان أو مكان؟ ! لا، فما دام الله ليس حدثا فليس متعلقا به زمان أو مكان، لأن الزمان والمكان نشآ عندما خلق الله وأحدث هذا الكون، فلا تقل: "متى" لأن "متى" خلقت به، ولا تقل "أين" لأن أين خلقت به ولأن"متى" و "أين" ظرفان؛ هذه للزمان، وهذه للمكان، والزمان والمكان فرعا الحدث، وعندما يوجد حدث فقل زمان ومكان.
إذن فما دام الله ليس حدثًا، فإياك أن تقول فيه متى، وإياك أن تقول فيه أين، لأن "متى" و "أين" وليدة الحدث، وقوله الحق: "وسع كرسيه" نأخذه -كما قلنا- في إطار "ليس كمثله شيء"، الكرسي: في اللغة الكِرس. والكِرسُ هو: التجميع، ومنه الكراسة وهي عدة أوراق مجمعة، وكلمة "كرسي" استعملت في اللغة بمعنى الأساس الذي يبنى عليه الشيء، فمادة "الكرسي" "الكاف والراء والسين" تدل على التجميع وتدل على الأساس الذي تثبت عليه الأشياء، فنقول: اصنع لهذا الجدار كرسيًا، أي ضع لهذا الجدار أساسًا يقوم عليه، ونطلق أيضًا على القوم العلماء الذين يقوم بهم الأمر فيما يشكل من الأحداث، والشاعر العربي قال: "كراسي في الأحداث حين تنوب" أي يُعتمد عليهم في الأمور الجسيمة.
وحين ينسب شيء من ذلك للحق سبحانه وتعالى. فإن السلف لهم فيها كلام والخلف لهم فيها كلام، والسلف يقولون: كما قال الله نأخذها