ولكن نضع كيفيتها وتصورها في إطار "ليس كمثله شيء"، وبعضهم قال: نؤولها بما يثبت لها صفة من الصفات، كما ثبتون قدرة الحق بقوله الحكيم.
{يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ} [الفتح: ١٠].
أي أن قدرة الله فوق قدرتهم، وكما قال سبحانه وعن قدرته في الخلق:
{وَالسَّمَاءَ بَنَينَاهَا بِأَيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: ٤٧].
إن كمال قدرة الله أحكمت خلق السماء، والحق سبحانه مقدس ومنزه عن أن يتصور المخلوق كلمة "يد" بالنسبة لله، ونحن نقول: الله قال ذلك، ونأخذها من الله؛ لأنه أعلم بذاته وبنفسه، ونحيلها إلى ألا يكون له شبيه أو نظير، كما أثبتنا لله كثيرًا من الصفات، في خلق الله مثلها ومع ذلك نقول: علمه لا كعلمنا، وبصره لا كبصرنا، فلماذا يكون كرسيه مثل كرسينا؟ . فتكون في إطار "ليس كمثله شيء".
والعلماء قالوا عن الكرسي: إنه ما يعتمد عليه، فهل المقصود علمه؟ . نعم. وهل المقصود سلطانه وقدرته؟ . نعم، لأن كلمة "كرسي" توحي بالجلوس فوقه، والانسان لا يجلس عن قيام إلا إذا استتب له الأمر، ولذلك يسمونه "كرسي الملك"، لأن الأمر الذي يحتاج إلى قيام وحركة لا يجعلك تجلس على الكرسي، فعندما تقعد على الكرسي، فمعنى ذلك أنا لأمر قد استتب، إذن فهو بالنسبة لله السطان، والقهر، والغلبة، والقدرة.
أو نقول: ما دام قال: "وسع كرسيه السموات والأرض، فوسع الشيء أي: دخل في وسعه واحتماله."والسموات والأرض" نحن نفهمها أنها كائنات كبيرة بالنسبة لنا، إنه سبحانه يقول: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [غافر: ٥٧].
وقال في (٢/ ١١٠٦) أيضًا:
"إن الحق يقول: "وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما"، ومعنى آده الشيء، أي أثقله، وحتى نفهم ذلك هب أن إنسانًا يستطيع أن يحمل عشرة كيلوجرامات، فإن زدنا هذا الحمل إلى عشرين من الكيلوجرامات فإن الحمل يثقل عليه، ويجعل عموده الفقري معوجًا حتى يستطيع أن يقاوم الثقل، فإن زدنا الحمل أكثر فقد يقع الرجل على الأرض من فرط زيادة الوزن الثقيل".
ثم قال عن آية الكرسي:
"هذه الآية الكريمة التي نحن بصددها نعرفها بآية الكرسي؛ لأن كلمة "الكرسي" هي الظاهرة، فيها وكلمة "الكرسي" فيها: تعني السلطان والقهر والقدرة والملكية وكلها مأخوذة من صفات الحق جل وعلا".
وقال في الإيمان عند تفسير الآية: {وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَال أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَال بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} الآية [البقرة: ٢٦٠] (٢/ ١١٣٩):
"إن إبراهيم - عليه السلام - يسأل: كيف تُحيي الموتى؟ أي أنه يطلب الحال التي تقع عليها عملية الإحياء، فإبراهيم - عليه السلام - لا يتكلم في