للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حنفي، والآخر شافعي، أما الحنفي، فهو أبو منصور محمد بن محمود الماتريدي، إمام الهدى ... ، وأما الآخر الشافعي، فهو شيخ السنة، ورئيس الجماعة إمام المتكلمين ... أبو الحسن الأشعري البصري".

وقد أطلق الماتريدية عدة ألقاب على إمامهم أبي منصور الماتريدي تدل على علو منزلته وقدره عندهم في العلم ونصرة الدين والدفاع عن العقيدة، كإمام الهدى، وإمام المتكلمين، ومصحح عقائد المسلمين، والإمام الزاهد، ورئيس أهل السنة، وبالغ بعضهم في وصفه فعده مهدي هذه الأمة في وقته.

قال أبو المعين النسفي مبينًا منزلة الماتريدي العلمية وقدره عندهم: "ولو لم يكن فيهم [أي الماتريدية] إلا الإمام أبو منصور الماتريدي رحمه الله الذي غاص في بحور العلوم واستخرج دررها وأوتي حجج الدين وزين بفصاحته، وغزارة علومه وجودة قريحته غررها حتى أمر الشيخ أبو القاسم الحكيم أن يكتب على قبره حين توفي: (هذا قبر من جاز العلوم بأنفاسه، واستنفد الوسع في نشره وأقباسه فحمدت في الدين آثاره، واجتنى من عمره ثماره).

وهو الذي تخرج عليه الفقيه أبو أحمد العياض في أنواع العلوم، والشيخ أبو الحسن الرستغفني وغيرهما من العلماء المتبحرين في العلوم الملية لكان كافيًا ..

ومن رأى تصانيفه ككتاب التوحيد وكتاب المقالات .. ووقف على بعض ما فيها من الدقائق، وغرائب المعاني وإثارة الدلائل عن مكامنها، [واستنباطها] عن مظانها ومعادنها، واطلع على ما راعى من شرايط الإلزام والإلتزام، وحافظ من آداب المجادلة الموضوعة لفسخ عقائد المغترين بأفهامهم، وقرن بكل مسألة من البرهان الموضوع، لأفاده ثلج الصدر وبرد اليقين، لعرف أنه المخصوص بكرامات ومواهب من الله تعالى، المؤيد بمواد التوفيق ولطائف الإرشاد من الغني الحميد، وأن ما اجتمع عنده وحده من أنواع العلوم الملية والحكمية لن يجتمع في العادات الجارية في كثير من المبرزين المحصلين، ولهذا كان أستاذه الشيخ أبو نصر العياضي لا يتكلم في مجالسه ما لم يحضر الشيخ أبو منصور، فكان كلما رآه من بعيد نظر إليه نظرة المتعجب وقال: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨].

وكتابه المصنف في تأويلات القرآن كتاب لا يوازيه في فنه كتاب، بل لا يدانيه شيء من تصانيف من سبقه في ذلك الفن، وما أحسن ما قال بعض بلغاء الكتاب في وصفه في كتاب، فقال: كان من كبار الأئمة وأوتاد الملة، وكتابه في تفسير القرآن فتق عن المشكل أكمامه، وقشع عن المشتبه غمامه، وأبان بأبلغ الوصف، وأتقن الرصف أحكامه وحلاله وحرامه، لقاه الله تحيته وسلامه .. ".

وقال الناصري بعد أن ذكر بعض كلام النسفي المتقدم: "وقد اجتمع عنده [أي الماتريدي] من العلوم الملية والحكمية ما صار به علمًا مشهورًا من أعلام الهدى يعرف به الغادي من المهتدي في لحن القول لا يستطيعه أهل الأهواء خصوصًا أهل الاعتزال، حتى كانت المعتزلة يلقبون أهل