للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال الذهبي بعد وصفه بالدعابة واللعب: إنه كان صدوقًا في الحديث، وإن محاسنه جمة (١).

ثانيًا: وصفه بحمود الذهن، لاقتصاره على النقل، يرده ما سيأتي في دراسة شرحه للترمذي، من أنه جعل من منهجه إبداء آرائه وترجيحاته، وردوده وتعقباته على من سبقه من العلماء، وقد ذكرت هناك أمثلة تؤيد ذلك.

كما رددت في دراسة الكتاب أيضًا على قول الإدفوي قرين المؤلف: إنه قصد أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد، فوقف دون ما يريد.

وأما نقد الذهبي له بأنه: كان يتلهى عن الاشتغال بالعلم بمباشرة الكتبة، فيجاب عنه بما ذكره الصفدي: أن الشيخ لما عين في جملة الموقعين بديوان الإنشاء -كما سيأتي- تقديرًا لموهبته في حسن الخط والأسلوب، صعب عليه الاستمرار في المنصب واستعفى منه فأعفي (٢).

وكذلك نقد الصفدي له بأنه لم يشتغل بالعلم على قدر ذهنه، لأنه كان فيه لعب، ذكر الصفدي أنه رآه في المنام في سنة ٧٤٤ هـ أي بعد وفاته بنحو عشر سنوات، وقال له: رأيت الترجمة التي عملتها، وما كنت تحتاج إلى تينك اللفظتين، أو ما هذا معناه. قال الصفدي: ففطنت في النوم لما قال، وكشطتهما، لأنهما لم يكونا من كلامي في حقه (٣) أقول: ولم يحدد الصفدي اللفظتين، ولكن ابن حجر حددهما بأنهما قول الصفدي: "كان يتلعب" (٤) وعلى ذلك فهما باقيتان في ترجمته لشيخه كما سبق نقلهما بلفظ"كان فيه لعب" (٥)، فلعله كشطهما من نسخته ضط، ثم بقيتا في نسخ غيره- وعلى كل فإن إقراره بكشطهما، وبراءته من نسبتهما إلى شيخه ابتداء، يكفي في رجوعه عن ذلك، ثم إن ابن فضل الله العمري قرر أن الصفدي كان منحرفًا عن شيخه ابن سيد الناس، واعتبر ثناءه عليه من الفضل الذي شهدت به الأعداء (٦) فإذا لاحظنا هذا كان استبعاد نقده مؤكدًا.

وقول الإدفوي: إن المؤلف خالط أهل السفه والشراب، يعني من الأمراء ونحوهم، وقول الصفدي أيضًا: إنه كان يتلهى عن الاشتغال بالعلم بمعاشرة الكبار، وكذا قول ابن كثير: إنه يذكر عنه سوء أدب في أشياء أخرى، وقول الذهبي: عليه مآخذ في دينه. كل ذلك قد برئ منه ابن سيد الناس، فقد ذكر ابن حجر أن الملك الناصر (يعني محمّد بن قلاوون) رأى جنازة ابن سيد الناس حافلة، فسأل الجلال القزويني في صبيحة ذلك اليوم، فذكر له مقداره، وكان الفخر ناظر الجش يغض من ابن سيد الناس، فقال للناصر: إنه مع ذلك كان يعاشر الأمراء، والوزراء قديمًا، قال: ويسد عندهم، فذكر ذلك الناصر للجلال القزويني، "رئيس قضاة الشافعية"، والتقى الإخنائي رئيس قضاة المالكية، فبرآه من ذلك، وشهدا بعدالته ونزاهته،


(١) الوافي (١/ ٢٩١).
(٢) انظر الوافي بالوفيات (١/ ٢٩٢)، والدرر الكامنة (٤/ ٣٣٤).
(٣) الوافي (١/ ٣٠٥).
(٤) الدرر الكامنة (٤/ ٣٣٥).
(٥) وانظر الوافي (١/ ٢٩١).
(٦) الدرر (٤/ ٣٣١).