للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

غايته بطريق إطلاق إسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه القريب، إن أريد به إرادة الإنتقام على مسببه البعيد إن أريد به نفس الإنتقام، ويجوز حمل الكلام على التمثيل، بأن يشبه الهيئة المنتزعة من سخطه تعالى للعصاة، وإرادة الإنتقام منهم لمعاصيهم، بما ينتزع من حال الملك إذا غضب على الذين عصوه وأراد أن ينتقم منهم ويعاقبهم، وعليهم مرتفع بالمغضوب قائم مقام فاعله. والعدول عن إسناد الغضب إليه تعالى كالأنعام، جرى على منهاج الأداب التنزيلية في نسبة النعم والخيرات إليه عزَّ وجلَّ (١).

صفة الإستواء قالا:

سلك أبو السعود في تفسيره عند قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} مسلك المتأولة الفارين من مذهب السلف إلى ما لبسه عليهم إبليس، من دعوى التنزيه خوفًا من التشبيه، لأنهم رسخ في ذهنهم التشبيه، فانقبوا إلى التعطيل، فقال عند قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} مجاز عن الملك والسلطان، متفرع على الكناية فيمن يجوز عليه القعود على السرير، يقال: استوى فلان على سرير الملك يراد به ملك وإن لم يقعد على السرير أصلًا. والمراد بيان تعلق إرادته الشريفة بإيجاد الكائنات وتدبير أمرها (٢).

قلت: القول بالمجاز في القرآن من أسس منهج الماتريدية وهذا يرجح أن العمادي ماتريدي وليس أشعري كما أسلفنا" أ. هـ.

وفي صفة الإتيان والمجيء قال: قال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ}.

أي أمره وبأسه، أو يأتيهم الله بأمره وبأسه، فحذف المأتي به لدلالة الحال عليه.

وقال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}.

استئناف مسوق لبيان أنه لا يتأتى منهم الإيمان بإنزال ما ذكر من البينات والهدى، أي أنهم لا يرعوون عن التمادي في المكابرة، واقتراح ما تنافي الحكمة التشريعية من الآيات الملجئة، وأن الإيمان عند إتيانها مما لا فائدة له أصلًا مبالغة في التبليغ والإنذار، وإزاحة العلل والأعذار، أي ما ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك حسب ما اقترحوا بقولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَينَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا} وبقولهم: {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} وبقولهم: {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيهِ مَلَكٌ} ونحو ذلك، أو إلا أن تأتيهم ملائكة العذاب أو يأتي أمر ربك بالعذاب (٣).

وقال عند قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} أي ظهرت آيات قدرته وآثاره قهره، مثل ذلك بما يظهر عند حضور السلطان من أحكام هيبته وسياسته، وقيل: جاء أمره تعالى وقضاؤه على حذف المضاف للتهويل (٤).


(١) نفس المصدر (١/ ٤٤).
(٢) تفسير أبو السعود (٧/ ١٤).
(٣) نفس المصدر (٤/ ٣٣٠).
(٤) تفسير أبو السعود (٨/ ٤٦٢ - ٤٦٣).