للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والإلحاد، فافهم .. " أ. هـ.

قلت: لا شك أن هذا الكلام مردود على القاسمي رحمه الله تعالى فمثل إلحاد النصير الطوسي (١) وابن عربي (٢) صاحب وحدة الوجود لا يخفى على عالم مثله. على أنه مدح ابن عربي أيضًا في أحد كتبه، ولعل السبب في ذلك الجو الذي عاش فيه فقد كثر فيه التصوف والدعوة إليه والانتصار لبعض مشايخه -أي التصوف- ولا شك أنه تأثر بذلك فتراه يذكر في مشيخته: "ومن أجلاء مشايخي صوفي عصره، الأستاذ الجليل المحقق محمّد بن محمّد الخاني النقشبندي ... ولمهارته رحمه الله في فن التصوف قرأت عليه من كتبه لطائف الأعلام للقاشاني، وشرح الفصوص لملّا جامي، ومواقف أستاذه الأمير عبد القادر الحسني ثم الدمشقي، وحصة من شرح مواقع النجوم، وغير ذلك مما لم يحضرني الآن. وحضرته في كتاب والده البهجة السنية في آداب الطريقة النقشبندية.

"وكان رحمه الله لقنني ذكر الطريقة النقشبندية، ولازمت حلقته مدة، ثم تركتها لأمرٍ ما" أ. هـ.

وفي السانحة رقم (٣٠) يقول القاسمي: "مسألة خلق الأفعال، يرى الواقف على أدلتها من المطولات الكلامية ظهور أدلة المعتزلة ظهورًا بيِّنًا. فإذا قيل لهم: لم يعذب الله العصاة؟ قالوا: لارتكابهم المعاصي. فإذا قيل لهم: أم ارتكبوها؟ قالوا: لإرادتهم ذلك، وإنهم مختارون. فإذا قيل لهم: أليس يجب صدور المعصية عنهم حتى يطابق علم الله تعالى؟ أجابوا: بأن العلم تابع للمعلوم، دون العكس. فليس العلم بالمعصية سببًا للمعصية، حتى تجب المعصية بوجوبه، فعلمه تعالى بمعصية زيد لأنه سيعصي، لا إن زيدًا يعصي لأنه قد علم الله معصيته. ومن المعلوم أن وجوب الشيء المقارن اللازم لفعل لا يجعل ذلك اضطراريًا، بحيث يقبح العقل التكليف.

وأما طريقة الحكماء فهي أن العقاب لازم من لوازم أفعالهم، ففعلهم هو سب له كالمرض، فإن حدوثه من لوازم فساد ما في الأخلاط، وكذلك العقاب لازم للأفعال المذمومة، وارد على النفس منها لفساد ملكتها".

وفي السانحة رقم (٥٥) قال: "سنح لي أن أقيد ما أراه في مسألة كتب الصوفية، والمشهورين بالعارفين منهم، من الاعتدال في ذلك، والتوسط فيه، حبًا بالإنصاف، فإني رأيت من الناس من يكفر أربابها، ويحرم النظر فيها، ويحرقها إذا ظفر بها، اشتمالها على ما يعتقده حلولًا، واتحادًا، من ألفاظ ظاهرها ذلك. كما أن من الناس من يجلها وأربابها، ويشغف بها، ويدعو إليها، ويراها لب الألباب، وأنها الجديرة بأن ينفق في مطالعتاها العمر، وندر من يتوسط في ذلك أو في أصحابها، بل الأمر في بعض مؤلفيها أن يصفه قوم بأنه صديق، وآخرون بأنه زنديق. فما هذا الحال، وأين الاعتدال؟


(١) انظر في الكلام على الطوسي، درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (١٠/ ٤٤)، وما بعدها و (١٠/ ٥٧، ٦٩) و (٥/ ٦٧).
(٢) انظر ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل في ذلك: (٥/ ٤٠، ٢٢، ٣٤٠، ٣٥٥، ٣٥٩)، (٦/ ٧٧)، وغيرها من المواضع.