على أننا نستدرك على الأستاذ المغراوي كلام القاسمي في صفة قرب الله تعالى في قوله تعالى من سورة ق:{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} حيث إنه لم يتطرق إلى هذه الصفة في كتابه الآنف الذكر، مع العلم أن القاسمي قد خالف ابن كثير في تفسير هذه الآية فقال في تفسيره محاسن التأويل (٦/ ٣٢٠) مرجحًا لقول من قال: -إنه تمثيل للقرب المعنوي، بالصورة الحسية المشاهدة، على من قال: يعني ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه-: "والوجه الأول أدق وأقرب، وفيه من الترهيب وتناهي سعة العلم، مع التعريف بجلالة المقام الرباني ما لا يخفى حسنه" والقول الثاني الذي اعتبره القاسمي مرجوحًا هو قول ابن كثير وهو مذهب السلف في هذه الآية (انظر تفسير ابن كثير (٤/ ٢٣٥) في تفسير سورة ق) ...
وبقي لنا أن نذكر كلام ابنه على تفسيره فقد قال في كتابه "جمال الدين القاسمي وعصره"(ص ٦٨٣) ما نصه: "جرى في تفسيره على إظهار أسرار الشريعة وحقائقها على طريقة السلف الصالح حرًّا دون قيد، يفسر القرآن بالقرآن وبالحديث وبأقوال الصحابة والتابعين والأئمة من مختلف المذاهب فتراه ينقل عن المحدثين وقدامى المفسرين، وينقل عن المعتزلة والزيدية والشيعة والظاهرية وغيرهم. لا يتحرج في ذلك، ما رأى الحق في أقوالهم أو القول السديد في آثارهم".
* ثم قال ظافر القاسمي -ابن جمال الدين القاسمي- ضمن فصل السوانح (١)(ص ٢٧٣) ما نصه: "لا عبرة برمي شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وأمثالهما رحمهم الله تعالى بالإلحاد، مثل النصير الطوسي، وابن عربي، وبعض الأشاعرة، أو المتأولين لآيات الصفات وآثارها، فإن ذلك منه ومن أمثاله حمية مذهبية، وغيرة على نصرة ما قوي لديه.
وقد عهد في العالم الغيور الذي لا يتسع صدره لخلاف الخصم، أن يحمل عليه أمثال هذا وأعظم، وإلا فالنصير قد علم أن له مؤلفات في فن الكلام، خدمت وشرحت، وكلها مما يبرئه عن الإلحاد والزندقة، ودعوى أنه كان محرض هولاكو على قتل العلماء، دعوى من لم يعرف سنة الملوك المتغلبين، المندفعين على البلاد، للأسر والقتل. وأين نصير الدين من هولاكو، حتى يكون مستشاره في القتل والسفك، وعقيدته، ومشربه؟ وترجمته المحفوظة، نبرئه من مثل ذلك!
وابن عربي، حق الباحث معه، المنكر عليه، أن ينكر عليه موضعًا لا يحتمل التأويل، ويقول: ظاهره إلحاد. إلا أن الرجل له عقيدة نشرها أولًا، ومذهب في الفقه حسن، فمثله لا يسوغ رميه بالإلحاد. وحينئذ فيقال: كلامه مشكل، إلا أن عقيدته صحيحة. فالأولى الإعراض عن المشكلات من كلامه، وعدم مطالعتها، إذ لعل لها معاني عنده. وأمثال هذا مما يخفف من الرمي،
(١) قال ظافر القاسمي: "ومما هو داخل في باب آراء القاسمي وأفكاره مجموعة سماها (السوانح) جمع سانحة .. وقد دون هذه السوانح بكثير من الحرية" أ. هـ. ملخصًا من كتاب جمال الدين القاسمي وعصره (ص -٢٥٩).