للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ}: وما ذكره بعض المفسرين من أن البصير في اللغة بمعنى العليم لا يخفى فساده، فإن العليم والبصير اسمان متباينا المعنى لغة، نعم! لو حمل أحدهما على الآخر مجازًا يبعد، ولا ضرورة إليه هنا". ومن مثل ذلك قوله في تأويل قوله تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا}: "تنبيه: خص من ذلك مقدار أجر المثل عند كون الوالي فقيرًا لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}، كذا قاله البيضاوي وتابعه أَبو السعود. وعندي أنه لا حاجة إلى تخصيص هذا النهي بالفقير في هذه الآية لأنها في الغني، لقوله {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} فلا يشمل مساقها الفقير".

وفي صفات الله يستصوب القاسمي ما عليه أئمة السلف أهل العلم والإيمان وينصر موقفهم منها، إذ يقول: "والصواب ما عليه أئمة الهدى، وهو أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث ويتبع في ذلك سبل السلف الماضين، أهل العلم والإيمان. والمعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات فتكون من باب تحريف الكلم عن مواضعه، ولا يعرض عنها، فيكون من باب الذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صمًا وعميانًا ولا يترك تدبر القرآن، فيكون من باب الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني".

ومن الواضح لكل من يقرأ محاسن التأويل أن القاسمي متأثر بمفسرين أشد التأثير. الأول ابن كثير الدمشقي، والثاني الشيخ محمّد عبده الذي كان يلقبه الأستاذ الحكيم. ونتيجة لتأثره بهذين فإن عبارته تتصف بالسهولة والإيجاز.

وكان معجبًا بابن تيمية الحراني شيخ ابن كثير الدمشقي الحافظ المفسر المؤرخ، وفي مواضع كثيرة من تفسير القاسمي نراه يستشهد بأقوال ابن تيمية ويذكر اسم الكتاب الذي نقل منه علي شاكلة قوله في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... الآية}: "تنبيه: للعلماء في المحكم والمتشابه أقوال كثيرة، ومباحث واسعة. وأبدع ما رأيته في تحرير هذا المقام مقالة سابغة الذيل لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية عليه الرحمة والرضوان. يقول في خلالها: "المحكم في القرآن تارة يقابل بالمتثابه والجميع من آيات الله، وتارة يقابل بما نسخه الله مما ألقاه الشيطان، ومن الناس من يجعله مقابلًا لما نسخه الله مطلقًا، حتى يقول هذه الآية محكمة ليست منسوخة، ويجعل المنسوخ ليس محكمًا، وإن كان الله أنزله أولًا اتباعًا للظاهر من قوله: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}. فهذه ثلاث معانٍ تقابل المحكم، ينبغي التفطُّن لها" أ. هـ.

قلت: وقد فصل الأستاذ المغراوي عقيدة القاسمي في الأسماء والصفات بشكل أكبر في كتابه "المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات" ووصفه بأنه كان على نهج السلف الصالح، بل ولم يحد عنه إلا بما سنذكره آنفًا، ولعل نقولاته التي هي من أقوال الأئمة السلف الذين هم على الحق في الاعتقاد إن كان في الأسماء والصفات أو الإيمان أو غيرها ومن أراد الاستزادة فليرجع إليه فإنه مفيد.