والقاسمي لأنه عني بالنقل عن مفسري السلف فلا مفر له من ذكر الإسرائيليات في تفسيره، يقول في تأويل قوله تعالى:{وَإِذْ قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}.
* هذه الآية بيان لكيفية وقوع العفو المذكور في الآية قبل. روي أن موسى - عليه السلام - لما رجع من الميقات ورأى ما صنع قومه بعده من عبادة العجل، غضب ورمى باللوحين من يده. فكسرهما في أسفل الجبل. ثم أحرق العجل الذي صنعوه، ثم قال: من كان من حزب الرب فليقبل إليّ. فاجتمع إليه جميع بني لاوي، وقال لهم: هذا ما يقوله الرب إله إسرائيل: ليتقلد كل رجل منكم سيفه، فجوزوا من وسط المحلة من باب إلى باب وارجعوا. وليقتل الرجل منكم أخاه وصاحبه وقريبه. فصنع بنو لاوي كما أمرهم موسى فقتلوا في ذلك اليوم من الشعب نحو ثلاثة وعشرين ألف رجل (وفي رواية نحو ثلاثة آلاف رجل). وفي غد ذلك اليوم كلم موسى الشعب وقال لهم: أنتم قد أخطائم خطيئة عظيمة. وإني الآن أصعد إلى الرب فأتضرع إليه من أجل خطيئتكم. فصعد موسى وتضرع للرب وسأل المغفرة لقومه".
ولا يغيب عن البال أن القاسمي بدأ هذه الرواية بلفظة "روي" المبني للمجهول إشعارًا منه بضعفها.
والقاسمي إذ ينقل الإسرائيليات عن تفاسير السلف إلا أنه لا يقف منها كحاطب ليل، فنراه يضعفها وينبه إلى فسادها وغلطها مستفيدًا من أقوال ابن كثير الدمشقي فيها، يقول في تأويل قوله تعالى {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا ... } الآية: "وقد غلط أهل الكتاب في دعواهم أن هؤلاء رأوا الله عَزَّ وَجَلَّ، فإن موسى الكليم - عليه السلام - قد سأل ذلك فمنع منه، فكيف يناله هؤلاء السبعون! أفاده ابن كثير. وقد رأيت دعواهم المذكورة في الفصل الرابع والعشرين في سفر الخروج. وهذا من المواضع الحقق تحريفها. ويدل عليه ما في الفصل الثالث والثلاثين من السفر المذكور أنه تعالى قال لموسى: لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش".
ويلوم المفسرون الذين أوردوا روايات مختلفة في قصة البقرة وصاحبها لأنه لا يتعلق به كبير فائدة ولم يرو بسند صحيح إلى النبي - عليه السلام -، يقول: "وقد ذكر أكثر المفسرين قصة البقرة وصاحبها بروايات مختلفة لم نورد شيئًا كما أن البعض من البقرة لم يجيء من طريق صحيح عن معصوم بيانه. فنحن نبهمه كما أبهمه الله تعالى، إذ ليس في تعيينه لنا فائدة دينيه ولا دنيوية، وإن كان معينًا في نفسى الأمر. وأيًا كان فالمعجزة حاصلة به".
والقاسمي في نقله عن مفسري السلف كان لا يلغي شخصيته ومواقفه، بل نجده ينقد بعض المفسرين ويضعف تأويلهم واجتهاداتهم في تفسير لفظة أو جملة قرآنية على شاكلة قوله في تأويل قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ