للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فقال له عبد الله: أنا ها هنا آكل الحلال، وأعش في المباح، دون تقلف من ثمر هذه الأشجار، ولا أجد في غير هذا الموضع من المباح ما أجد فيه، فقال له الحافظ أَبو بكر: إن تنظر مصر موضعًا يعرف برشيد، فيه شيئان مباحان: الملح والحطب، تقيم به ويكون عيشنا من هذين المباحين.

فقال له عبد الله: أنت لا يتركك الناس، وأفارق موضعي وأفارقك فعاهده أن لا يفارقه، وركبا الطريق إلى مصر حتى وصلا إلى رشيد وأقاما هناك، إذا احتاجا إلى قوت حوجًا من حطب أو ملح، فباعا ما يحملانه من ذلك على ظهورهما، وتقوتا بثمنه، وبقيا هناك مدة إلى أن قتل العبيدي، صاحب مصر جماعة من فقهاء أهل الإسكندرية، لسبب يطول شرحه، ولم يبق بها من يُشار إليه، وسمع أهل الإسكندرية بكون الفقيه برشيد، فركب إليه قاضيها ابن حديدة، وجماعة من أهلها.

فلما وصلوا إلى رشيد، سألوا عنه فلم يجدوا من يعرفه إلا بعض الفقراء هناك، قال لهم أنا أدلكم عليه، اقعدوا هنا، فكأني به قد وصل فقعدوا ساعة، ووصل الفقيه من الشعرا وعلى ظهره حُزمة حطب، وصاحبه معه، فقال لهم: هذا هو، ووضع الحزمة بالأرض وأخبروه بما طرأ عليهم .. ولا تعليم وباحتياج أهلها إليه، وبماله في قصدهم من الأجر، فقال لهم: قد علمت ذلك، ولكني لا أفارق صاحبي هذا بوجه، وأشار إلى عبد الله السائح، لأني سُقته من موضعه وعاهدته ألا أفارته، فدونكم فإن ساعدني فأنا ناهض معكم، فكلموه، فقال: أنا لا أمنعه، لكني أقيم هنا.

فتضرَّعوا إلى عبد الله فقال لهم: أنا هنا أعيش في الحلال، وآكل المباح ولا أجد هذا عندكم، فقال له القاضي: إن صاحب صقلية، دمّره الله، يؤدي جزية في كل عام لأهل الإسكندرية ثلثمائة قفيز من الشعير، وكذا وكذا، فخذ الشعير تتقوّت به وتصرفه في منافعك. فقال: أنا لا أحتاج إلى أكثر من رغيف في كل ليلة، فضمنوا له ذلك، وأقبل معهم إلى الإسكندرية ووفوا لأبي محمّد السائح بما قالوه، وصنعوا له من الشعير عدَّة أرغفة ووضعوها له في حبل، فكان يُفطر كل ليلة منها على رعيف، ويلزم بيته لا يبرح منه" أ. هـ.

* السير: "أنبأنا ابن علان عن الخُشوعي عن الطرطوشي أنه كتب هذه الرسالة جوابًا عن سائلٍ سأله من الأندلس عن حقيقة أمرِ مؤلف (الإحياء)، فكتب إلى عبد الله بن مظفر: سلَّامٌ عليك، فإني رأيت أبا حامدٍ، وكلمتُه، فوجدتُه امرءًا وافر الفهم والعقل، وممارسةً للعلوم، وكان ذلك مُعْظم زمانه، ثم خالف عن طريق العلماء، ودخل في غِمار العُمَّال، ثم تصوَّف، فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم سابها، وجعل يطعنُ على الفقهاء بمذاهب الفلاسفة، ورموز الحلَّاج، وجعل ينتحي عن الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين.

قال الحافظ أَبو محمّد: إنّ محمّد بن الوليد هذا ذكر في غير هذه الرسالة كتاب (الإحياء) قال: وهو - لعمر والله - أشبه بإماتة علوم الدين، ثم رجعنا إلى تمام الرسالة.

قال: فلما عمل كتابه (الإحياء)، عمد فتكلم في