كاده، لولا ما يُضْمِرُ فيه من سوء اعتقاده، ويبدو منه عند انتقاده" أ. هـ.
* مطمح الأنفس: "بدر فهم ساطع، وبرهان علم لكل حجة قاطع، تفرحت بعطره الأعصار وتطيبت بذكره الأمصار، وقام به وزن المعارف واعتدل، ومال للأفهام فننًا وتهدّل، وعطل بالبرهان التقليد، وحقق بعد عدمه الاختراع والتوليد، إذا قدح زند فهمه أورى يشَرَر للجهل مُحْدق، وإن طما بحر خاطره فهو لكل شيء مغرق، مع نزاهة النفس وصونها، وبعد الفساد من كونها، والتحقيق الذي هو للإيمان شقيق، والجد، الذي يخلق العمر وهو مستجد، وله أدب يودُّ عطارد أن يلتحفه، ومذهب يتمنى المشتري أن يعرفه، ونظم تتمناه اللبات والنحور، وتدعيه مع نفاسه جوهرها البحور" أ. هـ.
قلت: ذكر محقق كتاب (مطمح الأنفس) محمّد علي شوابكه في مقدمته من خلال دراسة لشخصية وأخلاق ابن خاقان، وكيف تعامله مع الشخصيات في وقته، ومنهم ابن باجة ما نصه (١/ ٤٠): "وقد حمل الفتح على ابن باجة حملة شعواء في كتابه القلائد، فرماه بسوء العقيدة ووصفه بالكفر، وطعنه في أصله ومنشئه وسلوكه وأخلاقه واتهمه بالقذراة والبخل والسرقة من الشعراء، فقال: والأديب أَبو بكر بن الصائغ، وهو رمد جفن الدين، وكمد نفوس المهتدين، اشتهر سُخْفًا ومجونًا وهجر مفروضًا ومسنونًا ... ناهيك من رجل ما تطهر من جنابة ولا أظهر نحيلة إنابة. . ولا استنجى من حدث ... ولا أقر بباريه ومصوره، الإساءة إليه أجدى من الإحسان، والبهيمة عنده أهدى من الإنسان، رفض كتاب الله الحكيم العليم، مع منشأ وخيم، ولؤم أصل وخيم، وصورة شوهها الله وقبحها وطلعة إذا أبصرها الكلب نبحها، وقذراة يوذي البلاد نفسها، ثم يقول: وكثيرًا ما يغير هذا الرجل على معاني الشعراء، وينبذ الاحتشام من ذلك بالعراء، ويأخذها من أربابها أخذ غاضب".
وابن باجة الذي حمل عليه الفتح هو أَبو بكر محمّد بن الحسين بن الصائغ المعروف بابن باجة التجيبي السرقسطي الأندلسي، الفيلسوف الشاعر المشهور الذي قال فيه العماد: "وقد أجمع الفضلاء على أنه لم يلحق أحدٌ مداه في زمانه ولم يوجد شرواه في إحسانه، وقد ختم به علم الهندسة وتداعت بموته في إقليمه مباني الحكم المؤسسة"، وقال القفطي: "عالم العلوم الأوائل، وهو في الأدب فاضل، له تصانيف في الرياضيات والمنطق والهندسة" وأثنى عليه ابن الخطيب ووصفه: بأنه آخر فلاسفة الإسلام بحزيرة الأندلس.
أما تحامل الفتح على الفيلسوف ابن باجة، فهناك روايتان بهذا الصدد:
الأولى: رواية ياقوت عن العالم جمال الدين بن أكرم السالفة الذكر، في أن الفتح كان يرسل إلى الملوك والأعيان والأدباء في الأندلس يعرّفهم عزمه على تأليف كتابه، ويسألهم إنفاذ شيء من نشرهم ونظمهم، وكانوا يعرفون شره فينفذون إليه ما طلب، وصرر الدنانير فكل من أرضته صلته مدحه، وكل من تغافل عن ذلك ذمه، وتقول الرواية: "وكان ممن تصدى له وأرسل إليه أَبو بكر بن باجة، وكان وزيرًا لابن تَيفلَوْيت صاحب