والمنامات والكرامات، ولما ارتوى من كل ذلك في بلده رأى أنه مستعد للاستزادة من العلم والإختيار مما لا يجدها في وطنه فهاجر إلى مصر سنة (١٣١٥ هـ) وفيها لحق بمحمد عبده، وأنشأ مجلة المنار، جعل موضوعها الأول الإصلاح الإسلامي ونزع إلى مذهب السلف، وفي هذا الدور كان استفاد من كتبهم ونقل عنهم واهتدى بآرائهم كابن تيمية وتلميذه ابن القيم .. وكان له أنصار وخصوم، وأكبر خصومه مشايخ الأزهر" أ. هـ.
* قلت: يعتبر محمد رشيد رضا من أعلام المدرسة الإصلاحية، وقد كان لهذه المدرسة منهج خاص في التفسير تكلم عنه صاحب كتاب "العصرانيون" فقال:
"يحدد رجال المدرسة أن المطلوب من التفسير هو: "فهم الكتاب من حيث هو دين يرشد الناس إلى ما فيه سعادتهم في حياتهم الدنيا، وحياتهم الآخرة .. وما وراء ذلك من المباحث تابع له أو وسيلة لتحصيله".
ثم يقول: "والحقيقة إن هؤلاء قد يتفقون مع منهج السلف في بعض أسس منهجهم، وقد يخالفونه، كما أنهم قد يتفقون معهم في بعضها، من ناحية تقرير الأساس والتسليم به، لكنهم يتطرفون في تطبيقه، ويتجاوزون حدود السلف فيه مما جعلهم يخلطون الصحيح بالسقيم".
ثم يشرع في بيان أبرز أصولهم في التفسير وهي:
١ - القرآن هو المصدر الأول للتشريع:
ماذا يعني ذلك في مفهومهم؟
هذا الأصل حق إلا أنهم يقصدون من ذلك نبذ السنّة ومن ثَم فصلها عن الشريعة، وقد تسرب هذا إليهم من بعض الفرق كالشيعة والمعتزلة والخوارج.
واستغل المبشرون والمستشرقون هذا الأمر أبشع إستغلال، وربوا عليه تلاميذهم ...
إن الإصلاحيين يأخذون بالقرآن، أما إذا تعارض مع الحديث حسب معطيات عقولهم فإنه يرد، ويرد عمومًا إذا تعارض مع عقولهم، من ذلك حديث سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يد يهودي، ولو كان الحديث في صحيح البخاري.
٢ - المنهج العقلي في التفسير:
يضخم الإصلاحيون دور العقل شأن المعتزلة، ويتخذونه حكمًا ودليلًا في أمور الدين كلها، ومنها علم التفسير، وقد وجدوا بعض التفاسير السابقة مليئًا بما يناقضه العقل من الأقوال فنقدوه وأبطلوه، ووجدوا في معظمها إيمانًا وتسليمًا بما لا يدركه العقل فأوّلوه وحرّفوه، وكان لهم صولات وجولات، كان الصواب حليفهم حينًا، وكان التحريف سبيلهم أحيانًا كثيرة.
ومن نماذج تفسيرهم وتأويلهم: أن الشيخ محمّد رشيد رضا يفسر (الإمداد) في قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} [الأنفال: ٥] بقوله: "إن هذا الإمداد أمر روحاني، يؤثر في القلوب فيزيد في قوتها المعنوية .. " وقال: "وظاهر نص القرآن أنه إنزال الملائكة، وإمداد المسلمين بهم فائدة معنوية، وأنهم لم يكونوا محاربين" وقال: "وما أدري أين يضع بعض العلماء عقولهم عندما يغترون ببعض الظواهر، وببعض الروايات