والذي يهمنا من شخصية الشيخ محمّد رشيد رضا هو ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات، أما ما وقع فيه من انحرافات في العقيدة عمومًا تبعًا لشيخه في ذلك، كإنكار نزول المسيح، وخروج الدجال، ومعجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير القرآن والجن، وقتال الملائكة يوم بدر فهذا شيء مسجل في كتاب "المنار".
فالشيخ رشيد رضا اتصل بمحمد عبده، واقتنع بشخصيته ودعوته وجعله مثالًا يقتدى به وجعل فكره منبعًا لثقافته، لكنه استطاع التخلص مما كان عليه شيخه من العقيدة الأشعرية، فنراه كثيرًا ما يرد عليه، وللشيخ محمّد عبده رسالة سماها بالتوحيد من قرأها عرف عقيدته وتأثره بالعقيدة الأشعرية واقتناعه بها، وأظهر ذلك في تفسير آيات الصفات كما يرى ذلك فيما أثبتناه في هذا البحث المبارك.
أما الشيخ رشيد رضا فقد أظهر مذهبًا سلفيًّا جيدًا فيما جمعه في تفسير المنار وقد أثبت في معظم الصفات مذهب السلف الصالح ودافع عنه وإن كان يقع في التأويل في بعض الصفات كتأويل صفة الإتيان والمجيء وكما وقع له الخلط في صفة اليد، فهو يعتبر من الذين غلبت عليهم الصبغة السلفية، ومدحه للإمام القاسمي: يدل على إعجابه بالمذهب السلفي الذي نصره الإمام القاسمي.
صفة الرحمة:
قال في تفسير البسملة:
ما نقلناه عن شيخنا في معنى الرحمة (وهذه الأسماء المشتقة كل منها يدل على ذات الله تعالى وعلى الصفة التي اشتق منها معًا بالمطابقة، وعلى الذات وحدها أو الصفة بالتضمن، ولكل منها لوازم تدل عليها بالالتزام كدلالة الرحمن على الإحسان والإنعام ودلالة الحكيم على الإتقان والنظام، ودلالة الرب على البعث والجزاء لأن الرب الكامل لا يترك مربوبيه سدى. ومن عرف الأسماء الحسنى والصفات العليا عرف أن اسم الجلالة الأعظم (الله) يدل عليها كلها وعلى لوازمها الكمالية وعلى تنزهه عن أضدادها السلبية فدلّ هذا الاسم الأعلى على اتصاف مسماه بجميع صفات الكمال وتنزهه عن جميع النقائص وسبحان الله والحمد لله والله أكبر). (١)
تبع فيه متكلمي الأشاعرة والمعتزلة ومفسريهم كالزمخشري والبيضاوي ذهولًا ومحصلة أن الرحمة ليست من صفات الذات أو صفات المعاني القائمة بذاته تعالى لاستحالة معناها عليه فيجب تأويلها بلازمها وهو الإحسان فتكون من صفات الأفعال كالخالق والرازق، وقال بعضهم: يمكن تأويلها بإرادة الإحسان فترجع إلى صفة الإرادة فتكون صفة مستقلة، وهذا القول من فلسفة المتكلمين الباطلة المخالفة لهدي السلف الصالح.
والتحقيق أن صفة الرحمة كصفة العلم والإرادة والقدرة وسائر ما يسميه الأشاعرة صفات المعاني ويقولون إنها صفات قائمة بذاته تعالى خلافًا للمعتزلة فإن معاني هذه الصفات كلها عسب مدلولها اللغوي واستعمالها في البشر محال على