للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الله تعالى: إذ العلم بحسب مدلوله اللغوي، هو سورة المعلومات في الذهن التي استفادها من إدراك الحواس أو من الفكر وهي بهذا المعنى محال على الله تعالى فإن علمه تعالى قديم يقدمه غير عرض منتزع من صور المعلومات وكذلك يقال في سمعه تعالى وبصره، وقد عدّوهما من صفات المعاني القائمة بنفسه والرحمة مثلها في هذا.

فقاعدة السلف في جميع الصفات التي وصف الله تعالى بها نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله أن نثبتها له ونمرها كما جاءت مع التنزيه عن صفات خلقه الثابتة عقلًا ونقلًا بقوله عزَّ وجلَّ: {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ}.

فنقول: إن لله علمًا حقيقيًّا هو وصف له ولكنه لا يشبه علمنا وإن له سمعًا حقيقيًّا هو وصف له لا يشبه سمعنا وإن له رحمة هي صفة لا تشبه رحمتنا التي هي انفعال النفس وهكذا نقول في سائر صفاته تعالى، فنجمع بذلك بين النقل والعقل، وأما التحكم بتأويل بعض الصفات وجعل إطلاقها من مجاز المرسل أو الاستعارة التمثيلية، كما قالوا في الرحمة والغضب وأمثالها دون العلم والسمع والبصر وأمثالها فهو تحكم في صفات الله وإلحاد فيها فإما أن تجعل كلها من باب الحقيقة مع الاعتراف بالعجز عن إدراك كنه هذه الحقيقة والاكتفاء بالإيمان بمعنى الصفة العام مع التنزيه عن التشبيه وإما أن تجعل كلها من باب المجاز اللغوي باعتار أن واضع اللغة وضع هذه الألفاظ لصفات المخلوقين فاستعملها الشرع في الصفات الإلهية المناسبة لها مع العلم بعدم شبهها بها من باب التجوز. (١)

صفة الاستهزاء:

قال عند قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

أصل الاستهزاء الإستخفاف وعدم العناية بالشيء في النفس وإن أظهر المستخف الاستحسان والرضا تهكمًا، وهذا المعنى محال على الله تعالى والمحال بذاته يصح إطلاق لازمه، والمستهزئ بإنسان في نحو مدح لعلمه واستحسان لعلمه مع اعتقاد قبحه غير مبال به ولا معتنى بعلمه ولا بعمله حيث لم يرجعه عنه ولم يكرهه عليه ويلزمه استرسال المستهزئ في عمله القبيح.

فمعنى {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} أنه يمهلهم فتطول عليهم نعمته وتبطأ عنهم نقمته ثم سقطوا من أقدارهم ويستدرجهم بما كانوا يعملون. إلى أن قال: وأشهر الأقوال أن معناه يجازيهم بالعقاب على استهزائهم أو يعاملهم معاملة المستهزئ بهم {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} الآية.

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} إلى قوله: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ}.

وقيل: إن استهزاءه تعالى بهم إجراؤه أحكام المسلمين عليهم في الدنيا كما مرّ في خداعه لهم (٢).


(١) تفسير المنار (١/ ٧٦ - ٧٧).
(٢) نفس المرجع (١/ ١٦٣ - ١٦٤).