والصواب إثبات صفة المكر والاستهزاء والخداع لله تعالى على ما يليق به على جهة العدل، فهو تعالى أفعاله كلها عدل ولا يشتق له من هذه الصفات إسم فلا يقال: مستهزئ وماكر، ومخادع، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
صفه الاستواء:
ذهب الشيخ رشيد رضا في تفسيره عند قوله تعالى:{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} مذهب السلف الصالح في صفة الاستواء فقال ما لفظه:
لم يشتبه أحد من الصحابة في معنى استواء الرب تعالى على العرش على علمهم بتنزهه سبحانه عن صفات البشر وغيرهم من الخلق إذ كانوا يفهمون أن استواءه تعالى على عرشه عبارة عن استقامة أمر ملك السماوات والأرض له، وانفراده هو بتدبيره وأن الإيمان بذلك لا يتوقف على معرفة كنه ذلك التدبير وصفته، وكيف يكون بل لا يتوقف على وجود عرش، ولكن ورد في الكتاب والسنة أن لله عرشًا خلقه قبل خلق السماوات والأرض وأن له حملة من الملائكة فهو كما تدل اللغة مركز تدبير العالم كله، قال تعالى في سورة هود:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} ولكن عقيدة التنزيه القطعية الثابتة بالنقل والعقل كانت مانعة لكل منهم أن يتوهم أن في التعبير بالاستواء على العرش شبهة تشيه الخالق بالمخلوق كيف وأن بعض القرائن الضعيفة لفظية أو معنوية تمنع في لغتهم حمل اللفظ على معناه البشري فكيف إذا كان لا يعقل. فكيف والاستواء على الشيء مستعمل في البشر استعمالًا مجازيًا وكنائيًا كما تقدم والقاعدة التي كانوا عليها في كل ما أسنده الرب تعالى إلى نفسه من الصفات والأفعال التي وردت اللغة في استعمالها في الخلق أن يؤمنوا بما تدل عليه من معنى الكمال والتصوف مع التنزيه عن تشبيه الرب بخلقه فيقولون أنه اتصف بالرحمة والمحبة واستوى على عرشه بالمعنى الذي يليق به لا بمعنى الانفعال الحادث الذي نجده للحب والرحمة في أنفسنا ولا ما نعهده من الاستواء والتدبير هي ملوكنا وحسبنا أن نستفيد من وصفه بهاتين الصفتين أثرهما في خلقه وأن نطلب رحمته ونعمل ما يكسبنا محبته وما يترتب عليهما من مثوبته وإحسانه ونستفيد من الاستواء على عرشه كون الملك والتدبير له وحده فلا نعبد غيره ولذلك قرنه في آخر آية يونس بقوله:{مَا مِنْ شَفِيعٍ إلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} وفي سورة ألم السجدة {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَينَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}، وهذا يؤيد ما صدرنا به تفسير الآية من أنها كأمثالها تقرر وحدانية الربوبية على أنها حجة لوحدانية الألوهية وإبطال عبادة غيره تعالى معه بمعنى ما كانوا يدعون من الشفاعة.
صفة الكلام:
وقد اختار الشيخ رضا مذهب السلف الصالح في إثبات الكلام لله تعالى وألقى اللوم على الذين اشتغلوا بالكلام وتركوا النصوص الصريحة وذكر