للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

في كتاب الله تعالى نوعان:

إرادة قدرية كونية خلقية وهي المشيئة الشاملة بجميع الموجودات، لقوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}.

وإرادة دينية أمرية شرعية وهي المتضمنة للمحبة والرضا كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (١) وأمثال ذلك.

والإرادة صفة لله تعالى قديمة أزلية وليست بحادثة، كم زعمت المعتزلة والكرامية، فالقنوجي يرد عليهم مبينًا أن هذا القول يؤدي إلى أنه محل للحوادث، يقول: "مريد بإرادته القديمة، وفي القدم تعلقت بأحداث الحوادث في أوقاتها اللايقة بها على وفق سبق العلم الأزلي، إذ لو كانت حادثة لصار محلًا للحوداث (٢) (٣).

كما ناقشهم في ادعائهم -بأن الكافر هو الذي أراد الكفر لا دخل لإرادة الله سبحانه فيه- قائلًا: ما من حركة أو سكون إلا وهو كائن من إرادة الله تعالى، حتى الكفر فقد أرداه كونًا وقدرًا، وإن لم يرض به بل يبغضه.

يقول: "مريد لجميع الكائنات مدير للحادثات، فلا يجري في الملك والملكوت صغير أو كبير، قليل أو كثير، خير أو شر، نفع أو ضر، حلو أو مر، إيمان أو كفر، عرفان أو نكر، فوز أو خسران، زيادة أو نقصان، طاعة أو عصيان إلا بإرادته ووفق حكمته وطبق تقديره وحسب قضائه في خليقته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يخرج عن إرادته لفتة بصر ولا فلتة خاطر، بل هو المبدئ المعيد الفعال لما يريد كما يريد، لا راد لأمره، ولا معقب لما حكم في العبيد ولا مهرب لعبد عن معصيته إلا بتوفيقه ورحمته، ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته، حتى لو اجتمع جميع الكائنات على أن يحركوا في العالم ذرة أو يسكنوها مرة دون إرادته ومشيئته لما قدروا على ذلك، بل ولا أرادوا خلاف ما هنالك، كما قال {وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} فهو سبحانه لم يزل موصوفًا بإرادته مريدًا في الأزل، وجود الأشياء في أوقاتها التي قدرها فوجدت فيها كما أرادها من غير تقدم ولا تأخر وتبدل وتغير" (٤).

ثم اختتم الكلام قائلًا بأن "الإرادة والمشيئة شيء واحد في حقه تعالى".

نرى فيما سبق من كلامه في صفة الإرادة وتنويعها إلى نوعين، أنه ذهب مذهب السلف".

وفي صفتي السمع والبصر يقول: (ص: ٢٥٧): "ومن صفات الأزلية القديمة التي أثبتها القنوجي صفتا السمع والبصر، فهو يسمع المسموعات ويبصر المبصرات بسمعه وبصره القديم، خلافًا لمن أولهما بالعلم.


(١) الانتقاد (ص: ٦) بغية الرائد (ص: ١٢).
(٢) تابع القنوجي في ذلك المتكلمين، وقيام الحوادث بذاته تعالى جائز في مذهب السلف، حيث تقوم به سبحانه أفعاله المتجددة، راجع تلبيس الجهمية (١/ ٢٠٣).
(٣) الانتقاد (ص: ٦).
(٤) نفس المصدر (ص: ٦).