للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

العقاب فيكون المضارع في يستهزئ للإستقبال وإلى هذا المعنى نحا ابن عباس والحسن في نقل ابن عطية ويجوز أن يكون مرادًا به جزاء استهزائهم من العذاب أو نحوه من الإذلال والتحقير، والمعنى يذلهم وعبر عنه بالاستهزاء مجازًا ومشاكلة أو مرادًا به مآل الاستهزاء من رجوع الوبال عليهم. وهذا كله وإن جاز فقد عيّنه هنا جمهور العلماء من المفسرين كما نقل ابن عطية والقرطبي وعينه الفخر الرازي والبيضاوي وعينه المعتزلة أيضًا لأن الاستهزاء لا يليق إسناده إلى الله حقيقة لأنه فعل قبيح ينزه الله تعالى عنه كما في الكشاف وهو مبني على التعارف بين الناس. (١)

صفة الحياء:

قال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}.

والاستحياء والحياء واحد فالسين والتاء فيه للمبالغة مثل استقدم واستأجر واستجاب وهو انقباض النفس من صدور فعل أو تلقيه لاستشعار أنه لا يليق أو لا يحسن في متعارف أمثاله، فهو هيئة تعرض للنفس هي من قبيل الانفعال يظهر أثرها على الوجه وفي الإمساك عن ما من شأنه أن يفعل.

والاستحياء هنا منفي عن أن يكون وصفًا لله تعالى فلا يحتاج إلى تأويل في صحة إسناده إلى الله والتعلل لذلك بأن نفي الوصف يستلزم صحة الاتصاف تعلل غير مسلم (٢).

صفة الوجه:

وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة: {فَأَينَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (وجه الله) بمعنى الذات وهو حقيقة لغوية تقول لوجه زيد أي ذاته كما تقدم عند قوله: {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} وهو هنا كناية عن عمله فحيث أمرهم باستقابل بيت المقدس فرضاه منوط بالامتثال لذلك وهو أيضًا كناية رمزية عن رضاه بهجرة المؤمنين في سبيل الدين لبلاد الحبشة ثم للمدينة ويؤيد كون الوجه بهذا المعنى قوله في التذييل: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} فقوله واسع تذييل لمدلول (ولله المشرق والمغرب) والمراد سعة ملكه أو سعة تيسيره والمقصود عظمة الله وأنه لا جهة له وإنما الجهات التي يقصد منها رضي الله تفضل غيرها وهو عليم بمن يتوجه لقصد مرضاته وقد فسّرت هذه الآية بأنها المراد بها القبلة في الصلاة (٣).

صفة الإتيان:

وقال عند قوله تعالى من سورة البقرة {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ} والإتيان حضور الذات في موضع من موضع آخر سبق حصولها فيه وأسند الإتيان إلى الله تعالى من هذه الآية على وجه الإثبات فاقتضى ظاهره إتصاف الله تعالى به ولما كان الإتيان يستلزم التنقل أو التمدد ليكون حالًا في مكان بعد أن لم يكن فيه حتى يصح الإتيان وكان ذلك يستلزم الجسم والله منزه عنه


(١) تفسير التحرير والتنوير (١/ ١٨٣).
(٢) تفسير التحرير والتنوير (١/ ٢٨٠).
(٣) تفسير التحرير والتنوير (١/ ٣٤٧).