تعين صرف اللفظ عن ظاهره بالدليل العقلي فإن كان الكلام خبرًا أو تهكمًا فلا حاجة للتأويل لأن اعتقادهم ذلك مدفوع بالأدلّة وإن كان الكلام وعيدًا من الله لزم التأويل، لأن الله تعالى موجود في نفس الأمر لكنه لا يتصف بما هو من صفات الحوادث كالتنقل والتمدد لما علمت فلا بد من تأويل هذا عندنا على أصل الأشعري في تأويل المتشابه وهذا التأويل إما في معنى الإتيان أو في إسناده إلى الله أو بتقدير محذوف من مضاف أو مفعول والى هذه الاحتمالات ترجع الوجوه التي ذكرها المفسرون.
الوجه الأول: ذهب سلف الأمة قبل حدوث تشكيكات الملاحدة إلى إقرار الصفات المتشابهة دون تأويل فالإتيان ثابت لله تعالى لكن بلا كيف فهو من المتشابه كالاستواء والنزول والرؤية أي هو إتيان لا كإتيان الحوادث. فأما على طريقة الخلف من أئمة الأشعرية لدفع مطاعن الملاحدة فتجيء وجوه منها:
الوجه الثاني: أقول ما يجوز تأويل إتيان الله بأنه مجاز في التجلي والاعتناء إذا كان الضمير راجعًا لمن يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، أو بأنه مجاز عن تعلق القدرة التنجيزية بإظهار الجزاء إن كان الضمير راجعًا للفريقين أو هو مجاز في الاستئصال يقال أتاهم الملك إذا عاقبهم قاله القرطبي قلت: وذلك في كل إتيان مضاف إلى منتقم أو عدو أو فاتح كما تقول أتاهم السبع بمعنى أهلكهم وأتاهم الوباء ولذلك يقولون أتى عليه بمعنى أهلكه واستأصله فلما شاع ذلك شاع إطلاق الإتيان على لازمه وهو الإهلاك والاستئصال قال الله تعالى: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}.
وقال: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} وليس قوله: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} بمناف لهذا المعنى لأن ظهور أمر الله وحدوث تعلّق قدرته يكون محفوفًا بذلك لتشعر به الملائكة وسيأتي بيان في (ظلل من الغمام) قريبًا.
الوجه الثالث: إسناد الإتيان إلى الله تعالى إسناد مجازي: وإنما يأتيهم عذاب الله يوم القيامة أو في الدنيا وكونه في (ظلل من الغمام) زيادة تنويه بذلك المظهر ووقعه لدى الناظرين.
الوجه الرابع: يأتيهم كلام الله الدال على الأمر وكون ذلك لكلام مسموعًا من قبل ظلل من الغمام تحفه الملائكة.
الوجه الخامس: أن هناك مضافًا مقدّرًا أي يأتيهم أمر الله أي قضاؤه بين الحق أو يأتيهم بأس الله بدليل نظائره من القرآن أو يأتي أمر ربك وقوله: {فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا} ولا يخفى أن الإتيان في هذا يتعين أن يكون مجازًا في ظهور الأمر.
الوجه السادس: حذف مضاف تقديره آيات الله أو بيناته أي دلائل قدرته أو دلائل صدق رسله ويبعده قوله: {فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} إلّا أن يرجع إلى الوجه الخامس أو الوجه الثالث.
الوجه السابع: أن هناك مفعولًا محذوف دلَّ عليه قوله: {فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} والتقدير أن يأتيهم الله بالعذاب أو ببأسه.
والأحسن: تقدير أمر عام يشمل الخير والشر لتكون الجملة وعدًا ووعيدًا.
وقد ذكرت في تفسير قوله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ