للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فمن رام تقويمي فإني مقوم ... ومن رام تعويجي فإني معوج

على أن العفو أقرب التقوى، والإغضاء مبنى

الفتوة وعليه الفتوى، والسادة الذين تكلم فيهم هؤلاء إذا مروا باللغو مرورًا كرامًا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا، وحيث تحرر الكلام في الكلام على مذهب أهل السنة والدفع عنه بفضل الله تعالى كل محنة ومهنة إلخ (١).

هذه عبارة في مقدمة تفسيره، وأنت رأيت ما اتهم به ابن تيمية وابن القيِّم وغيرهم من فضلاء السلفيين من الطعن علي العلماء، وهذه القرية مكررة تتكرر من حين إلى آخر، كل من أراد الظهور بضلالة أنهم هؤلاء الأعلام بما ليس فيهم، فهذه كتبهم وهذه مقالاتهم منتشرة بحمد الله، من طالعها عرف هؤلاء ليس لهم إلَّا إيضاح ما قاله الله وما قاله رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما قال السلف الصالح، بأساليب تتصف بالأدب وحسن الخلق، لكن الذي لا يعرف كتبهم أو طالعها، وحجبه الهوى عن فهمها، يظن بهم هذه الظنون السيئة، نسأل الله العافية. وعلى كل حال: فالألوسي يقرر مذهب الأشعري والماتريدي ويدافع عنه، وسأنقل بعض عباراته من البحث الذي أشرت إليه قال: وأمَّا ما شاع عن الأشعري عن القول بسماع الكلام لنفسي القائم بذات الله تعالى، فهو من باب التجويز والإمكان لأنَّ موسى عليه السَّلام سمع ذلك بالفعل، إذ هو خلاف البرهان، ومما يدل على جواز سماع الكلام النفسي بطريق خرق العادة في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتَّى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) (٢) الحديث.

ومن الواضح أن الله تبارك وتعالى إذا كان بتجليه الثوري المتعلق بالحروف غيبية كانت أو خيالية أو حسية، سمع العبد على الوجه اللائق المجامع {لَيسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} عند من يتحقق معنى الإطلاق الحقيقي، صح أن يتعلق سمع العبد بكلام ليس حروفه عارضة لصوت؛ لأنَّه بالله يسمع إذ ذاك، والله سبحانه يسمع السر والنجوى، والإمام الماتريدي أيضًا يجوز سماع ما ليس بصوت على وجه خرق العادة، كما يدل عليه كلام صاحب التبصرة في كتاب التَّوحيد فما نقله ابن الهمام عنه في القول: بالإستحالة، فمراده الإستحالة العادية، فلا خلاف بين الشيخين عن التحقيق (٣) قلت: هكذا يسبح هذا المؤلف في الخيالات والفرضيات التي لا تستند إلى نص من كتاب أو سنة، لأنَّ هذه أمور غيبية ينبغي الاستناد فيها إلى النَّصِّ، وقد وردت والحمد لله في هذا الباب نصوص تغني عن هذه التكلفات وهذه الفرضيات الخيالية، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور فالله تبارك وتعالى يتكلم بصوت وحرف بكلام يليق بحلاله كما صحت بذلك الأخبار عن سيد الأخيار - صلى الله عليه وسلم -.

٤ - صفة الوجه: قال عند قوله تعالى: {وَلَا


(١) روح المعاني: (١٨، ١٩/ ١).
(٢) أخرجه البُخاريّ في الرقاق: (٣٤٠ - ٣٤١/ ١)، وأحمد في المسند: (٢٥٦/ ٦).
(٣) تفسير الألوسي: (١٧ - ١٨/ ١).