للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أي رضاه سبحانه وتعالى، دون الرياء والسمعة، بناء على ما قاله الإمام السهيلي: من أن الوجه إذا أضيف إليه تعالى يراد به الرضا والطاعة المرضية مجازًا، لأنَّ من رضي عن شخص يقبل عليه، ومن غضب على شخص يعرض عنه، وقيل: المراد بالوجه الذّات والكلام على حذف مضاف. وقيل: هو بمعنى التوجه، والمعنى يريدون التوجه إليه تعالى والزلفى لديه سبحانه وتعالى، والأول أولى أ. هـ. (١)

وهذا النَّصُّ صريح في التأويل، لكن في تفسيراته للآيات الأخرى ليس مثل ما هنا.

وجاء عند قوله تعالى: {كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} وقال سفيان الثوري: وجهه تعالى العمل الصالح الذي توجه إليه عزَّ وجل فقيل في توجيه الاستثناء: أن العمل المذكور قد كان في حيز العلم، فلما فعله العبد ممثلًا أمره تعالى، أبقاه جل شأنه له إلى أن يجازيه عليه، أو أنَّه بالقبول صار غير قابل للفناء، لما أن الجزاء عليه قام مقامه وهو باق، وروى عن أبي عبد الله الرضا رضي الله تعالى عنه ارتضى نحو ذلك، وقال: المعنى كل شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلَّا ما أريد به وجهه تعالى، وزعم الخفاجي أن هذا كلامًا ظاهريًا.

وقال أبو عبيدة: المراد بالوجه، جاهه تعالى الذي جعله في النَّاس وهو كما ترى لا وجه له، والسلف يقولون: صفة نثبتها لله تعالى، ولا نشتغل بكيفيتها ولا بتأويلها، بعد تنزيهه عز وجل عن الجارحة (٢).

وقال عند قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ} [الروم: ٣٨]، أي ذاته سبحانه، أي يقصدونه عزَّ وجل بمعروفهم خالصًا، أو جهته تعالى، أي يقصدون جهة التقريب إليه سبحانه لا جهة أخرى.

والمعنيان كما في الكشاف متقاربان ولكن الطريقة مختلفة (٣).

وقال عند قوله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} أي ذاته، عزَّ وجل، والمراد هو سبحانه وتعالى، فالإضافة بيانية، وحقيقة الوجه في الشاهد الجارحة، واستعماله في الذّات من باب الكناية، وتفسيره بالذات هنا مبني على مذهب الخلف القائلين بالتأويل، وتعيين المراد في مثل ذلك دون مذهب السلف. وقد قررناه لك غير ما مرَّة فتذكره وعض عليه بالنواجذ (٤).

٥ - صفة المجيئ والإتيان: قال عند قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} بالمعنى اللائق به جل شأنه منزهًا عن مشابهة المحدثات والتقيد بصفات الممكنات، ثم قال بعد فقرات لا تتعلق بالبحث، ومن النَّاس من قدر في أمثال هذه المتشابهات محذوفًا، فقال في الآية: الإسناد مجازي، والمراد يأتيهم أمر الله وبأسه، أو حقيقي والمفعول


(١) تفسير الألوسي: (٢٦٢/ ٥).
(٢) تفسير الألوسي: (١٣٢/ ٧).
(٣) تفسير الألوسي: (٤٥/ ٧).
(٤) نفس المصدر السابق: (١٠٨/ ٩).