أما الألوسي فقد انتصر لمذهب السلف الصالح في صفة الإتيان والمجيء، وبين أن هذا هو المذهب الحق، وغيره كله كلفات وتأويلات لا ينبغي الاشتغال بها وليته حذف من الفقرات سادتنا الصوفية قدس الله أسرارهم، فليس عند المسلمين إلَّا استقامة وانضباط، سماهم الله بالمسلمين والمؤمنين وبالصالحين والطيبين، فالقرآن أغنانا عن مثل هذه الاصطلاحات الدخيلة.
٦ - تفسير الكرسي: وقال عند قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}.
الكرسي: جسم بين العرش محيط بالسموات السبع، قد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعته؛ أي الكرسي إلَّا بمنزلة الحلقة في المفازة، وهو غير العرش كما يدل عليه ما أخرجه ابن جرير وأبو الشَّيخ وابن مردويه عن أبي ذر أنَّه سأل النَّبيَّ - صَلَّى الله عليه وسلم - عن الكرسي فقال:(يا أبا ذر ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلَّا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة) وفي رواية الدارقطني والخطيب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سئل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن قوله تعالى {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ} إلخ قال: (كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره، وقيل هو العرش نفسه. ونسب ذلك إلى الحسن وقيل: قدرة الله تعالى، وقيل: تدبيره، وقيل: ملك من ملائكته، وقيل: مجاز عن العلم، من تسمية الشيء بمكانه، لأن الكرسي مكان العالم الذي فيه العلم، فيكون مكانًا للعلم بتبعيته، لأنَّ العرض يتبع المحل في التحيز، حتَّى ذهبوا إلى أنَّه معنى قيام العرض بالمحل، وحكى ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وقيل عن الملك أخذًا من الكرسي الملك، وقيل: أصل الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد، والكلام مساق على سبيل التمثيل لعظمته تعالى شأنه، وسعة سلطانه وإحاطة علمه بالأشياء قاطبة، ففي الكلام استعارة تمثيلية، وليس ذمة كرسي ولا قاعد ولا قعود، وهذا الذي اختاره الجم الغفير من الخلف، فرارًا من توهم التجسيم، وحملوا الأحاديث التي ظاهرها حمل الكرسي على الجسم المحيط على مثل ذلك، لا سيما الأحاديث التي فيها ذكر المقدم كما قدمنا وكالحديث الذي أخرجه البيهقي وغيره عن أبي موسى الأشعري: الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل، وفي رواية عن عمر مرفوعًا له أطيط كأطيط الرحل الجديد إذا ركب عليه من يثقله ما يفضل منه أربع أصابع وأنت تعلم أن ذلك وأمثاله ليس بالداعي القوي لنفي الكرسي بالكلية، فالحق أنَّه ثابت كما نطقت به الأخبار الصحيحة، وتوهم التجسيم لا يعبأ به، وإلَّا لزم نفى الكثير من الصفات، وهو بمعزل عن إتباع الشارع والتسليم له.
وأكثر السلف الصالح جعلوا ذلك من المتشابه الذي لا يحيطون به علمًا، وفوضوا علمه إلى الله