للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تعالى، مع القول بغاية التنزيه والتقدير له تعالى شأنه (١).

٧ - صفة النَّفس: وقال عند قوله تعالى: من سورة آل عمران {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} أي عقاب نفسه، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وفيه تهديد عظيم، مشعر بتناهي المنهي عنه في القبح، حيث علق التحذير بنفسه، وإطلاق النَّفس عليه تعالى بالمعنى الذي أراده جائز من غير مشاكلة على الصَّحيح، وقيل: النَّفس بمعنى الذّات، وجوز إطلاقه حينئذ بلا مشاكلة مما لا كلام فيه عند المتقدمين، وقد صرح بعض المتأخرين بعدم الجواز، وأن أُريد به الذّات إلَّا مشاكلة (٢).

وقال عند قوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} بيان للواقع وإظهار لقصوره عليه السَّلام، وللنفس في كلامهم إطلاقات، فتطلق على ذات الشيء وحقيقته، وعلى الروح، وعلى القلب، وعلى الدم، وعلى الإرادة، وقيل: وعلى العين التي تصيب، وعلى الغيب، وعلى العقوبة، ويفهم من كلام البعض، أنَّها حقيقة في الإطلاق الأوَّل مجاز فيما عداه، وفسر غير واحد النَّفس هنا بالقلب، والمراد تعلم معلومي الذي أخفيه في قلبي، فكيف بما أعلنه، ولا أعلم معلومك الذي تخفيه، وسلك في ذلك مسلك المشاكلة كما في قوله:

قالوا اقترح شيئًا نجدَ لك طبخة ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصًا

إلَّا أن ما في الآية كلا اللفظين وقع في كلام شخص واحد، وما في البيت ليس كذلك. وفي الدر المصون أن هذا التفسير مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وحكاه عنه أيضًا في مجمع البيان، وفسرها بعضهم بالذات، وادعى أن نسبتها بهذا المعنى إلى الله تعالى لا تحتاج إلى القول بالمشاكلة، ومن ذلك قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} وقوله - صلى الله عليه وسلم - "أقسم ربي على نفسه ألا يشرب عبد خمرًا ولم يتب إلى الله تعالى منه، إلَّا سقاه من طينة الخبال" (٣)، وقوله عليه الصَّلاة والسلام: "ليس أحد أحب إليه المدح من الله عزَّ وجل ولأجل ذلك مدح نفسه" (٤) وقوله - صلى الله عليه وسلم - "سبحان الله عدد خلقه ورضا نفسه" (٥) إلى غير ذلك من الأخبار.

وقال المحقق الشريف في شرح المفتاح وغيره: إن لفظ النَّفس لا يطلق عليه تعالى وإن أريد به الذّات، إلَّا مشاكلة، وليس بشيء لما علمت من


(١) تفسير الألوسي: (٩ - ١٠/ ١).
(٢) تفسير الألوسي: (١٢٦/ ١).
(٣) أخرجه مسلم في الأشربة: (١٥٨٧/ ٣)، والترمذي في الأشربة: (٢٩١/ ٤). وأبو داود في الأشربة: (٨٦/ ٤)، وابن ماجة في الحديث: (٣٣٧٨)، وأحمد: (٥/ ١٧١).
(٤) أخرجه البُخاريّ في التفسير: (٢٩٦/ ٨)، ومسلم في اللعان: (١١٣٦/ ٣)، وفي التوبة باللفظ المذكور: (٢١١٣/ ٤).
(٥) التِّرمذيُّ في الدعوات: (٥٥٥/ ٥)، وأبو داود في الصَّلاة رقم الحديث: (١٥٠٣/ ٢)، والنَّسائيُّ في الإفتتاح، ومسلم في الدعاء رقم الحديث: (٢٧٢٦/ ٤)، والنسائي: (٧٧/ ٣).