للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الإثبات، ولا يكتفى بالقول بأنهم لا يحرفون وحسب.

ومع ذلك فقد بنى المؤلف كتابه على سرد أقوال أهل التأويل المذموم، مما يشعر -مع أدلة أخرى آتية- بأنه يعتقد أن السلف على تفويض المعنى فقال: (هذا وقد أحببت أن أذكر بعض كلام الأئمة الخائضين في معاني الأسماء والصفات الواردة في الأحاديث والآيات. وإن كان أولى ترك ذلك خوف الوقوع في الزلل الذميم، لكن لا بأس بذلك مع قصد الإرشاد والتعليم) (١). وهذا كلام ينقض أوله آخره، ولعمر الله، لو فقه المؤولة والمفوضة مذهب السلف، لاستغنوا به عما ذهبوا إليه، وغامروا فيه.

وقال أيضًا: (واختلفوا: هل يجوز الخوض في المتشابه؟ على قولين:

- مذهب السلف: -وإليه ذهب الحنابلة وكثير من المحقّقين- عدم الخوض، خصوصًا في مسائل الأسماء والصفات، فإنَّه ظن والظن يخطئ ويصيب، فيكون من باب القول على الله بلا علم، وهو محظور، ويمتنعون من التعيين خشية الإلحاد في الأسماء والصفات ولهذا قالوا: والسؤال عنه بدعة، فإنَّه لم يعهد من الصّحابة التصرف في أسمائه -تعالى- وصفاته بالظنون، وحيث عملوا بالظنون (٢)، فإنما عملوا بها في تفاصيل الأحكام الشرعيّة، لا في المعتقدات الإيمانية) (٣).

صور -عفا الله عنه - مذهب السلف أنَّه لا يقوم على إيمان بمعان معلومة، وإنَّما حظهم من المعاني الكف عن تعيينها. وقد أصاب -رحمه الله- في كون السلف لم يتهوكوا في إفتراض المعاني الباطلة، لكنَّه أخطأ بنفي إثبات السلف للمعاني الحقيقية المبرأة من التمثيل بالمخلوقين. كما أخطأ في تسمية آيات الصفات "متشابهات"، إذ هي بلا ريب من المحكمات، وقد كرر وصفها بذلك في مواضع عدة من كتابه، ومن ذلك قوله: (إذا تقرر هذا فاعلم: أن من المتشابهات: آيات الصفات التي التأويل فيها بعيد، فلا تؤول ولا تفسر. وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله -تعالى-، ولا نفسرها، ومع تنزيهنا له عن حقيقتها" (٤).

ومن المعايير الكاشفة لاتجاه التأويل والتفويض، تفسير عبارات الإمام مالك في جوابه عمن سأل عن كيفية الاستواء، فيقول الشَّيخ مرعي -رحمه الله- في تفسير قوله: "الاستواء معلوم": (أي وصفه -تعالى- بأنه على العرش استوى معلومٌ بطريق القطع الثابت بالتواتر) (٥). وإنما أراد مالك -رحمه الله- أنَّه معلوم المعنى في اللُّغة" أ. هـ.

من أقواله: السحب الوابلة: فمن شعره:

أشكوك للمصطفى زين الوجود ومن ... أرجوه ينقذني من هَجْرَ مَنْ هَجَرا


(١) أقاويل الثقات: (٤٧).
(٢) مراده الظن الراجح: قاله صاحب "مذهب أهل التفويض".
(٣) أقاويل الثقات: (٥٥).
(٤) أقاويل الثقات: (٦٠).
(٥) أقاويل الثقات: (١٢٢).