فالذين ينتسبون إليهم، أو يعظمونهم، ويقصدون متابعتهم أئمة هدى رضوان الله عليهم أجمعين، وهم في ذلك كأمثالهم من أهل السنة والجماعة.
وقل طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط لكثرة ما وقع من شبه أهل البدع، ولهذا يوجد في كثير من المصنفات في أصول الفقه، وأصول الدين، والفقه، والزهد، والتفسير، والحديث، من يذكر في الأصل العظيم عدة أقوال، ويحكي من مقالات الناس ألوانًا، والقول الذي بعث الله به رسوله لا يذكره، لعدم علمه به، لا لكراهته لما عليه الرسول.
وهؤلاء وقع في كلامهم أشياء أنكروا بعض ما وقع من كلام أبي طالب في الصفات -من نحو الحلول وغيره- أنكرها عليهم أئمة العلم والدين ونسبوهم إلى الحلول من أجلها؛ ولهذا تكلم أبو القاسم بن عساكر في أبي علي الأهوازي لما صنف هذا مثالب أبي الحسن الأشعري، وهذا مناقبه، وكان أبو علي الأهوازي من السالمية فنسبهم طائفة إلى الحلول. والقاضي أبو يعلى له كتاب صنفه في الرد على السالمية.
وهم فيما ينازعهم المنازعون فيه -كالقاضي أبي يعلى وغيره، وكأصحاب الأشعري، وغيرهم من ينازعهم- من جنس تنازع الناس، تارة يرد عليهم حق وباطل؛ وتارة يرد عليهم حق من حقهم، وتارة يرد باطل بباطل، وتارة يرد باطل محق.
وكذلك ذكر الخطيب البغدادي في "تاريخه" أن جماعة من العلماء أنكروا بعض ما وقع في كلام أبي طالب في الصفات. وما وقع في كلام أبي طالب من الحلول سرى بعضه إلى غيره من الشيوخ الذين أخذوا عنه كابي الحكم بن برجان ونحوه.
وأما أبو إسماعيل الأنصاري صاحب "منازل السائرين" فليس في كلامه شيء من الحلول العام لكن في كلامه شيء من الحلول الخاص في حق العبد العارف الواصل إلى ما سماه هو: "مقام التوحيد" وقد باح منه بما لم يبح به أبو طالب، لكن كنى عنه.
وأما "الحلول العام" ففي كلام أبي طالب قطعة كبيرة منه؛ مع تبريه من لفظ الحلول، فإنه ذكر كلاما كثيرًا حسنًا في التوحيد كقوله: عالم لا يجهل، قادر لا يعجز، حي لا يموت، قيوم لا يغفل، حليم لا يسفه، سميع بصير، ملك لا يزول ملكه، قديم بغير وقت، آخر بغير حد، كائن لم يزل، إلى أن قال: كأنه أمام كل شيء، ووراء كل شيء وفوق كل شيء، ومع كل شيء، ويسمع كل شيء، وأقرب إلى كل شيء من ذلك الشيء، لأنه مع ذلك غير محل للأشياء، لان الأشياء ليست محلا له، كأنه على العرش استوى كيف شاء بلا تكييف ولا تشبيه، وإنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وبكل شيء محيط.
وذكر كلاما آخر يتعلق بالمخلوقات وإحاطة بعضها ببعض بحسب ما رآه، ثم قال: والله جل جلاله وعظم شأنه هو ذات منفرد بنفسه. متوحد بأوصافه، بائن من جميع خلقه، لا يحل الأجسام ولا تحله الأعراض، ليس في ذاته سواه، ولا في سواه من ذاته شيء، ليس في الخلق إلا الخلق ولا