الإمام الشافعي، وهو لم يستدل بقول أحد من الأئمة الأربعة غير الشافعي".
ثم قال المحقق تحت عنوان: مذهبه الاعتقادي: "كان أهم ما اتصفت به الحياة الدينية في العصر الأيوبي هو القضاء على آثار المذهب الشيعي ودعم المذهب السني في أنحاء البلاد. ومؤلفنا -رحمه الله- كان ممن سار على هذا المنهج.
فنجده ينتصر للمذهب السني، ويدافع عنه، فتارة يصف مذهب المعتزلة بأنه ضلال، وأخرى يصفه بأنه مبني على المغالاة، وأحيانا يشير إلى من خالف أهل السنة بأنه مبتدع زنديق.
فعند إعراب قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
قال المنتجب في (ما) الأولى ثلاثة أوجه:
أحدهما: وهو الوجه وعليه الجمهور: أنها موصولة.
والثاني: بمعنى (من).
والثالث: بمعنى كيف، فيكون معمول (يشاء).
وفي الثانية: أيضًا- ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو المختار وعليه المشيخة من أهل السنة: أنها نافية، لأنها إذا كانت نافية دلت على أن جميع الأشياء بقدرة الله واختياره، وليس للعبد فيها شيء سوى اكتسابه بتقدير، وفي الحديث ما يعضد هذا قال عليه الصلاة والسلام.
(قدر الله المقادير وكتبها قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).
وفي رواية أخرى:
(فرغ الله من المقادير وأمر الدنيا قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).
ويقول عند قوله سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}: في (ما) أوجه: أن تكون مصدرية منصوبة المحل عطفًا على الكاف والميم في (خلقكم)، أي: والله خلقكم وعملكم.
وهذا وجه حسن لما فيه من الدليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى- خيرًا كانت أو شرًّا.
وأن تكون موصولة في موضع نصب أيضًا عطفًا على المذكور آنفًا على معنى والله خلقكم والذين تعملون منه الأصنام، يعني: الخشب والحجارة، وتبقى الأعمال والحركات غير داخلة في خلق الله -تعالى-.
وبهذا التأويل يصح أن تكون موصولة لا على أن تكون تعم جميع الأشياء كما ذهبت إليه المعتزلة الضلال.
وكفاك دليلًا قوله تعالى في الأنبياء {قَال بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ} يعني الأصنام.
ويقول عند قوله سبحانه: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)}: والناضرة الأولى من نضرة النعيم، وهو الإشراق. . والثانية من نظر العين، و (إلى) من صلتها، أي تنظر إلى ربها خاصة نظر رؤية وعيان، لا تنظر إلى غيره.
ولهذا المعنى وهو الاختصاص قدم معمولها وهو (إلى ربها)، كما تقدم الخبر لذلك في نحو قوله -جل ذكره- {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}، و {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ}.