للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآيتين، ويقصد بهذا رحمه الله تعالى الرد على أهل البدع، كالخوارج والمعتزلة والجهمية والإمامية، وعند تفسيره لقوله تعالى: {قَال رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيكَ قَال لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣].

قال أبو المظفر السمعاني رحمه الله تعالى: يستدل من ينفي الرؤية بهذه الكلمة، وليس لهم فيها مستدل، وذلك لأنه لم يقل إني لا أرى حتى يكون حجة لهم، ولأنه لم ينسبه إلى الجهل في سؤال الرؤية، كما ينسب إليه قومه بقولهم: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} لما لم يجز ذلك.

وأما معنى قوله: {لَنْ تَرَانِي} يعني في الحال أو في الدنيا. {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} معناه: اجعل الجبل بيني وبينك فإنه أقوى منك. فإن استقر مكانه فسوف تراني، وفي هذا دليل على أنه يجوز لأنه لم يعلق الرؤية بما يستحيل وجوده، لأن استقرار الجبل مع تجليه له غير مستحيل، بأن يجعل له قوة الاستقرار مع التجلي.

وعند تفسيره لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: ٢٦].

قال أبو المظفر: واختلفوا في الحسنى وزيادة، فروي عن أبي بكر الصديق وأبي موسى الأشعري وابن عباس وحذيفة وقتادة وجماعة من التابعين إنهم قالوا: الحسنى هي الجنة، والزيادة، هي النظر إلى الله عزَّ وجلَّ.

وروى أبو القاسم بن بنت منيع عن هدبة بن خالد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال الله تعالى: يا أهل الجنة إن لكم عندي موعدا وأنا منجزكموه. فقالوا: وما ذلك؟ ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تثقل موازيننا؟ ألم تدخلنا الجنة وتخلصنا من النار؟ قال فيتجلى لهم فينظرون إلى وجهه فما أعطوا شيئًا هو أحب إليهم من النظر إليه، ثم قرأ قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}.

قال الإمام أبو المظفر: أخبرنا بهذا الحديث أبو الحسين أحمد بن محمد بن النقور بالتخفيف ببغداد، وساق سند الحديث. . ثم قال: الخبر أخرجه مسلم في الصحيح.

وعند قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} [المطففين: ١٥].

قال رحمه الله تعالى في الآية دليل على أن المؤمنين يرون الله تعالى، وقد نقل هذا الدليل عن مالك والشافعي رحمه الله عليهما.

قال مالك: لما حجب الله الفجار عن رؤيته دل أنه يتجلى للمؤمنين حتى يروه، ومثل هذا رواه الربيع بن سليمان عن الشافعي. قال الربيع: قلت للشافعي أتدين الله بهذا؟

فقال: لو لم أوقن أن الله يرى في الجنة، لم أعبده في الدنيا، وقد روى هذا الدليل عن أحمد بن يحيى بن ثعلب الشيباني عن ابن عباس.

وعن الحسن البصري قال: لو عرف المؤمنون أنهم لا يرون الله في الآخرة لزهقت أرواحهم في الدنيا. وفي الآية أبين دليل من حيث المعنى على ما قلنا، لأنه ذكر قوله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} في حق الكفار عقوبة لهم، فلو قلنا إن المؤمنين يحجبون لم يصح عقوبة