- إثبات الوجه لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه:
بين السمعاني رحمه الله تعالى أن الوجه صفة لله عزَّ وجلَّ، وتفسيره قراءته والإيمان به. وذلك عند قوله تعالى: {لَا إِلَهَ إلا هُوَ كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إلا وَجْهَهُ} [القصص: ٨٨].
وحكى رحمه الله تعالى قولا عن سفيان بن عيينة، مفادة: كل ما وصف الله به نفسه في الكتاب فتفسيره قراءته لا تفسير له غيره، أقول: لا يفهم من هذا التفويض.
وقال أبو المظفر: وقد بينا أنه صفة من صفات الله تعالى يؤمن به على ما ذكر الله تعالى.
قال أبو المظفر: والوجه، صفة لله تعالى بلا كيف، وجه لا كالوجوه.
- إثباته لرؤية الله تعالى يوم الدين:
عند تفسيره لقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣].
قال رحمه الله تعالى: استدل بهذه الآية من يعتقد نفي الرؤية.
قالوا: لما مدح بأنه لا تدركه الأبصار فمدحه على الأبد في الدنيا والآخرة.
واعلم أن الرؤية حق على مذهب أهل السنة، وقد ورد به القرآن والسنة.
قال الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة: ٢٢ - ٢٣].
وقاد: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين: ١٥].
وقال: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف: ١١٠]، ونحو هذا ...
وروى جرير بن عبد الله البجلي وغيره بروايات صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر دونه سحاب لا تضامون في رؤيته" ويروى لا تضارون في رؤيته.
فأما قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} فالإدراك غير الرؤية، لأن الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء وحقيقته.
والرؤية: هي المعاينة، وقد تكون الرؤية بلا إدراك، قال الله تعالى في قصة موسى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَال كَلَّا} [الشعراء: ٦١ - ٦٢]. فنفى الإدراك مع إثبات الرؤية.
وإذا كان الإدراك غير الرؤية (فالله تعالى يجوز أن يرى ولكن لا يدرك كنهه إذ لا كنه له حتى يدرك. وهذا كما أنه يعلم ويعرف ولا يحاط به) (١). كما قال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)} [طه: ١١٠]. فنفى الإحاطة مع ثبوت العلم.
وقال ابن عباس ومقاتل: لا تدركه الأبصار، يعني في الدنيا هو يرى الخلق ولا يراه الخلق في الدنيا، وهو يرى في الآخرة، بدليل قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} [القيامة: ٢٢ - ٢٣].
فكما أثبت الرؤية بتلك الآية في الآخرة، دل أن المراد بهذه الآية الإدراك في الدنيا ليكون جمعا بين
(١) في تفسير البغوي: فالله عزَّ وجلَّ يجوز أن يرى من غير إدراك وإحاطة كما يعرف في الدنيا ولا يحاط به (٢/ ١٦٧).