للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨]، ولأن القتل العمد ليس بأشد من الكفر ومن الكفر توبة، فمن القتل أولى.

واعلم أن لا متعلق في هذه الآية لمن يقول بالتخليد في النار لأهل الكبائر من المسلمين، لأنا إن نظرنا إلى سبب نزول الآية فالآية نزلت في قاتل كافر كما بينا. وقيل: إنه فيمن يقتل مستحلا.

والأولى أن يقول فيه ما قاله أبو صالح أن معنى قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}، إن جازى وبه يقول إن الله تعالى إن جازاه ذلك خالدا فهو جزاؤه، ولكنه ربما لا يجازي، وقد وعد أن لا يجازي ويغفر لمن يشاء، وهو لا يخلف الميعاد.

وحكي عن قريش بن أنس رحمه الله أنه قال: كنت في مجلس فيه عمرو بن عبيد فقال: لو قال الله لي يوم القيامة: لم قلت بتخليد القاتل المتعمد في النار؟

فأقول له: أنت الذي قلت فجزاؤه جهنم خالدا فيها. قال قريش: وكنت أنا أصغر القوم. فقلت له: أرأيت لو قال الله تعالى لك ألست قلت: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فمن أين علمت أني لم أشأ مغفرة القاتل، فسكت ولم يستطع الجواب.

وحكى أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو بن العلاء رحمه الله وقال له: هل يخلف الله وعده؟ فقال: لا فقال: أليس قال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}. فأنا على هذا أنه لا يخلف وعده، فقال أبو عمرو: من العجمة أتيت يا أبا عثمان، إن العرب لا تعد الإخلاف في الوعيد خلفا وذما، وإنما ذلك في الخلف في الوعد. . الخ.

ويقصد بهذا رحمه الله تعالى الرد على المعتزلة، لأن عمرو بن عبيد زعيم المعتزلة، وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الأعراف: ١٧٢].

قال رحمه الله تعالى: واعلم أن المعتزلة تأولوا هذه الآية فقالوا: أراد به الأخذ من ظهور بني آدم على الترتيب الذي مضت به السنة من لدن آدم إلى فناء العالم.

وقوله: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} يعني كما نصب من دلائل العقول التي تدل على كونه ربا، ويلجئهم إلى الجواب بقولهم: بلى وأنكروا الميثاق وهذا تأويل باطل.

وأما أهل السنة مقرون بيوم الميثاق، والآية على ما سبق ذكرها: وفصل رحمه الله تعالى في ذلك تفصيلا في غاية الجودة.

وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} [الأنفال: ١٦].

قال رحمه الله تعالى: واستدلت المعتزلة بإطلاق قوله: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ} في وعيد الأبد ولا حجة لهم فيه، لأن معنى الآية وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ إلا أن تدركه الرحمة بدليل سائر الأي المقيدة.

وعند تفسيره لقوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (٧٩)} [الإسراء: ٧٩].

قال أبو المظفر رحمه الله تعالى: أجمع المفسرون أن هذا مقام الشفاعة، وساق الأحاديث الصحيحة