واستدل أبو المظفر السمعاني بآيات الباب وأحاديثه على فساد طريقة المتكلمين في تقسيم الأشياء إلى جسم وجوهر وعرض، قالوا: فالجسم ما اجتمع من الافتراق، والجوهر: ما حمل العرض، والعرض: ما لا يقوم بنفسه وجعلوا الروح من الأعراض، وردوا الأخبار في خلق الروح قبل الجسد والعقل قبل الخلق، واعتمدوا حدسهم وما يؤدي إليه نظرهم، ثم يعرضون عليه النصوص فما وافقه قبلوه. وما خالفه ردوه.
ثم ساق هذه الآيات ونظائرها من الأمر بالتبليغ، قال: وكان مما أمر بتبليغه التوحيد، بل هو أصل ما أمر به فلم يترك شيئًا من أمور الدين وأصوله، وقواعده وشرائعه إلا بلغه، ثم لم ياع إلا الاستدلال بما تمسكوا به من الجوهر والعرض، ولا يوجد عنه ولا عن أحد من أصحابه من ذلك حرف واحد، فما فوقه، فعرف بذلك أنهم ذهبوا خلاف مذهبهم، وسلكوا غير سبيلهم بطريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه -رضي الله عنهم-، ويلزم من سلوكه العود على السلف بالطعن والقدح ونسبتهم إلى قلة المعرفة. واشتباه الطرق فاحذر من الاشتغال بكلامهم والإكتراث بمقالاتهم فإنها سريعة التهافت كثيرة التناقض. وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا وتجد لخصومهم عليه كلاما يوازنه أو يقاربه، فكل بكل مقابل، وبعض ببعض معارض، وحسبك من قبيح ما يلزم من طريقتهم أنا إذا جرينا على ما قالوه وألزمنا الناس بما ذكروه لزم من ذلك تكفير العوام جميعا، لأنهم لا يعرفون إلا الاتباع المجرد، ولو عرض عيهم هذا الطريق ما فهمه أكثرهم، فضلا عن أن يصير منهم صاحب نظر، وإنما غاية توحيدهم التزام ما وجدوا عليه أئمتهم في عقائد الدين والعض عليها بالنواجذ والمواظبة على وظائف العبادات وملازمة الأذكار بقلوب سليمة طاهرة عن الشبه والشكوك فتراهم لا يحيدون عما اعتقدوه ولو قطعوا إربًا إربًا، فهنيئا لهم هذا اليقين وطوبى لهم هذه السلامة.
فإذا كفر هؤلاء السواد الأعظم وجمهور الأمة فما هذا إلا طي بساط الإسلام وهدم منار الدين والله المستعان (١).
فمن خلال ما عرضناه من تفسيره وما نقله الأئمة عنه كابن القيم والنووي وابن حجر نحكم بدون أي توقف بأن السمعاني سلفي العقيدة، ولو تمكنا من الوقوف على كتبه كالانتصار والرد على القدرية ومنهاج أهل السنة لرأينا فيها ما يشفي الصدور، ولكن بما أن تلك الكتب لا تزال في حكم المفقود، لذلك قمت بتدوين ما نقله ابن القيم وغيره للفائدة" أ. هـ.
وفاته:(٤٨٩ هـ) تسع وثمانين وأربعمائة.
من مصنفاته: "تفسير السمعاني" و"الاصطلام" في الرد على أبي زيد الدبوسي و"منهاج أهل السنة" و "الرد على القدرية" وغيره".