للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يهجن بهذه الدعوة الكاذبة صحاح أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - وآثاره الصادقة، فيغالط جهال الناس بهذه الدعوى.

وما احتج مبتاع في رد آثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحجة

أوهن ولا أشد استحالة من هذه الحجة.

فصاحب هذه الدعوى يستحق أن يسف في فيه وينفي من بلد الإسلام. فتدبر رحمك الله، أيجعل حكم من أفنى عمره في طلب آثار النبي - صلى الله عليه وسلم - شرقا وغربا، برا وبحرا، وارتحل في الحديث الواحد فراسخ واتهم أباه وأدناه في خبر يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان موضع التهمة ولم يحابه في مقال ولا خطاب غضبا لدينه، ثم ألف الكتب في معرفة المحدثين وأسمائهم وأنسابهم، وقدر أعمارهم وذكر أعصارهم وشمائلهم وأخبارهم وفصل بين الرديء والجيد والصحيح والسقيم حبا لله ورسوله، وغيرة على الإسلام والسنة، ثم استعمل آثاره كلها حتى فيما عدا العبادات من كله وطعامه وشرابه ونومه ويقظته وقيامه وقعوده ودخوله وخروجه وجميع سنته وسيرته حتى في خطراته ولحظانه، ثم دعا النَّاس إلى ذلك وحثهم عليه وندبهم إلى استعماله وحبب إليهم ذلك بكل ما يملكه حتى في بذل ماله ونفسه، كمن أفنى عمره في اتباع أهوائه وإرادته وخواطره وهواجسه، ثم تراه يرد ما هو أوضح من الصبح من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأشهر من الشمس برأي دخيل واستحسان ذميم، وظن فاسد ونظر مشوب بالهوى، فانظر وفقك الله للحق أي الفريقين أحق أن ينسب إلى اتباع السنة واستعمال الأثر. فإذا قضيت بين هذين بوافر لبك، وصحيح نظرك، وثاقب فهمك، فليكن شكرك لله تعالى على حسب ما أراك من الحق. ووفقك للصواب وألهمك من السداد (١).

(قلت): ومن المعلوم أن من هذا عنايته بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرته وهديه فإنها تفيد عنده من العلم الضروري والنظري ما لا يفيده عند المعرض عنها المشتغل بغيرها. وهذا شأن من عنى بسيرة رجل وهديه وكلامه وأحواله، فإنه يعلم من ذلك بالضرورة ما هو مجهول لغيره.

ونقل عن الإمام السمعاني الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم كتاب القدر كيفية خلق الآدمي في بطن أمه:

قال الإمام أبو المظفر السمعاني في سبيل معرفة هذا الباب التوقيف من الكتاب والسنة دون محض القياس ومجرد العقول. فمن عدل عن التوقيف فيه ضل وتاه في بحار الحيرة ولم يبلغ شفاء النفس ولا يصل إلى ما يطمئن به القلب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى التي ضربت من دونها الأستار. اختص الله به وحجبه عن عقول الخلق ومعارفهم لما علمه من الحكمة.

وواجبنا أن نقف حيث حد لنا ولا نتجاوزه وقد طوى الله تعالى علم القدر على العالم فلم يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب (٢).

وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري -كتاب التوحيد- باب قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ} الآية.


(١) مختصر الصواعق لابن القيم، اختصار محمد بن الموصلي (٤٠٥ - ٤١٢).
(٢) صحيح مسلم شرح النووي (١٦/ ١٩٦)، وانظر فتح الباري (١١/ ٤٧٧) كتاب القدر.