للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذلك لوجدت قلبك مطمئنا إلى قوله لا يداخلك شك في صدقه وثبوت قوله.

وفي زماننا ترى الرجل يسمع من أستاذه الذي يختلف إليه ويعتقد فيه التقدمة والصدق، أنه سمع أستاذه يخبر عن شيء من عقيدته التي يريد أن يلقى بها فيحصل للسامع علم كذهب من نقل عنه أستاذه ذلك بحيث لا يختلجه شبهة ولا يعتريه شك. وكذلك كثير من الأخبار التي قضيتها العلم توجد بين الناس فيحصل لهم العلم بذلك الخبر ومن رجع إلى نفسه علم بذلك.

(قال): واعلم أن الخبر كان كان يحتمل الصدق والكذب والظن وللتجوز فيه مدخل ولكن هذا الذي قلناه لا يناله أحد إلا بعد أن يكون معظم أوقاته وأيامه مشتغلا بالحديث والبحث عن سيرة النقلة والرواة ليقف على رسوخهم في هذا العلم وكبير معرفتهم به وصدق ورعهم في أقوالهم وأفعالهم وشدة حذرهم من الطغيان والزلل وما بذلوه من شدة العناية في تمهيد هذا الأمر والبحث عن أحوال الرواة والوقوف على صحيح الأخبار وسقيمها.

وكانوا بحيث لو قتلوا لم يسامحوا أحدًا في كلمة واحدة يتقولها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا فعلوها بأنفسهم ذلك وقد نقلوا هذا الدين إلينا كما نقل إليهم وأدوا كما أدي إليهم، وكانوا في صدق العناية والاهتمام بهذا الشأن ما يجل عن الوصف ويقصر دونه الذكر. وإذا وقف المرء على هذا من شأنهم وعرف حالهم وخبر صدقهم وورعهم وأمانتهم ظهر له العلم فيما نقلوه ورووه.

(قال): والذي يزيد ما قلنا إيضاحا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الفرقة الناجية قال: "ما أنا عليه وأصحابي" فلا بد من نعرف ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وليس طريق معرفته إلا النقل فيجب الرجوع إلى ذلك، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنازعوا الأمر أهله" فكما يرجع في مذاهب الفقهاء الذين صاروا قدوة في هذه الأمة إلى أهل الفتن، ويرجع في معرفة اللغة إلى أهل اللغة، وفي النحو إلى أهل النحو، وكذلك يرجع في معرفة ما كان عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى أهل الرواية والنقل لأنهم عُنوا بهذا الشأن واشتغلوا محفظه، والفحص عنه ونقله.

ولولاهم لا ندرس علم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يقف أحد على سنته وطريقته.

(ثم قال الإمام أبو المظفر): فإن قالوا فقد كثرت الآثار في أيدي الناس واختلطت عليهم؟ (قلنا): ما اختلطت إلا على الجاهلين بها، فأما العلماء بها فإنهم ينتقدونها انتقاد الجهابذة الدراهم والدنانير، فيميزون زيوفها وياخذون خيارها. ولئن دخل في أغمار الرواة من وسم بالغلط في الأحاديث فلا يروج ذلك على جهابذة أصحاب الحديث وورثة العلماء حتى أنهم عدوا أغاليط من غلط في الإسناد والمتون، بل تراهم يعدون على كل واحد منهم كم في حديث غلط، وفي كل حرف حرف. وماذا صحف فإذا لم ترج عليهم أغاليط الرواة في الأسانيد والمتون والحروف. فكيف يروج عليهم وضع الزنادقة وتوليدهم الأحاديث التي يرويها الناس حتى خفيت على أهلها؟ وهو قول بعض الملحدة. وما يقول هذا إلا جاهل ضال مبتاع كذاب يريد أن