للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومناقب أصحابه وأخبار الأنبياء المتقدمين. وأخبار الرقاق وغيرها مما يكثر ذكره. وهذه الأشياء علمية لا عملية، وإنما تروى لوقوع العلم للسامع بها.

فإذا قلنا: خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم حملنا أمر الأمة في نقل هذه الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين هازلين مشتغلين بما لا يفيد أحدا شيئًا، ولا ينفعه، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور الدين ما لا يجوز الرجوع إليه والاعتماد عيه، قال: وربما يرتقي هذا القول إلى أعظم من هذا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من الصحابة يؤديه إلى الأمة وينقله عنه، فإذا لم يقبل قول الرواي، لأنه واحد، رجع هذا العيب إلى المؤدي، نعوذ بالله من هذا القول البشع، والاعتقاد القبيح.

قال: ويدل عليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث الرسل إلى الملوك إلى كسرى وقيصر وملك الإسكندرية والى أكيدر دومة، وغيرهم من ملوك الأطراف.

وكتب إليهم كتبًا على ما عرف ونقل واشتهر، وإنما بعث واحدا واحدا ودعاهم إلى الله تعالى والتصديق برسالته - صلى الله عليه وسلم - لإلزام الحجة وقطع العذر لقوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} وهذه المعاني لا تحصل إلا بعد وقوع العلم ممن أرسل إليه بالإرسال والمرسل وأن الكتاب من قبله والدعوة منه، وقد كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى الناس كافة كثيرا من الرسل إلى هؤلاء الملوك والكتاب إليهم لبث الدعوة إليهم في جميع الممالك ودعا الناس إلى دينه على حسب ما أمره الله تعالى بذلك. فلو لم يقع العلم في الواحد في أمور الدين لم يقتصر على إرسال الواحد من الصحابة في هذا الأمر، وكذلك في أمور كثيرة اكتفى بإرسال الواحد من الصحابة منها: أنه بعث عليا لينادي في موسم الحج بمنى: "ألا لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد فمدته إلى أربعة أشهر ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة". ولا بد في هذه الأشياء من وقوع العلم للقوم الذين كان يناديهم حتى إن أقدموا على شيء من هذا بعد سماع هذا القول كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبسوط العذر في قتالهم وقتلهم. وكذلك بعث معاذا إلى اليمن ليدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم إذا أجابوا شرائعه، وبعث إلى أهل خيبر في أمر القتيل واحدا يقول: إما أن تؤدوا أو تؤذنوا بحرب من الله ورسوله. وبعث إلى قريظة أبا لبابة بن عبد المنذر يستنزلهم على حكمه وجاء أهل قباء وأحد وهم في مسجدهم يصلون، فأخبرهم بصرف القبلة إلى المسجد الحرام فانصرفوا إليه في صلاتهم واكتفوا بقوله ولا بد في مثل هذا من وقوع العلم به، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - رسل الطلائع والجواسيس في بلاد الكفر ويقتصر على الواحد في ذلك ويقبل قوله إذا رجع وربما أقدم عليهم بالقتل والنهب، بقوله وحده.

ومن تدبر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته لم يخف عيه ما ذكرناه وما يرد هذا إلَّا مكابر معاند. ولو أنك وضعت في قلبك أنك سمعت الصديق والفاروق رضي الله عنهما أو غيرهما من وجوه الصحابة يروي لك حديثًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر من الاعتقاد من جواز الرؤية على الله وإثبات القدر أو غير