للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قوم، يغفر الله لنا ولهم" (١).

ب- وأما النقطة الثانية:

وهي: -ما حكي عن أبي حنيفة في الإيمان- فقد ساق فيها الخطيب ثلاثة وثلاثين خبرًا. الخبر الأول منها يتعلق بمسالة الاستثناء في الإيمان، وأن أبا حنيفة يعتبر من لا يجزم بأنه مؤمن هنا، وعند الله حقًّا، شاكًّا في إيمانه، وأن وكيعًا اعتبر قول أبي حنيفة هذا جرأة.

وهذا نص الرواية كما ساقها الخطيب، فقال: "أخبرنا الحسين بن محمّد بن الحسن، أخو الخلال، أخبرنا جبريل بن محمّد بن المعدل -بهمذان-، حدثنا محمّد بن حيويه النخاس، حدثنا محمود بن غيلان، حدثنا وكيع، قال: سمعت الثوري يقول: نحن المؤمنون، وأهل القبلة عندنا مؤمنون، في المناكحة والمواريث، والصلاة والإقرار ولنا ذنوب، ولا ندري ما حالنا عند الله؟ قال وكيع: وقال أبو حنيفة: "من قال بقول سفيان هذا، فهو عندنا شاك، نحن المؤمنون هنا، وعند الله حقًّا". قال وكيع: "ونحن نقول بقول سفيان، وقول أبي حنيفة عندنا جرأة" (٢).

وفي هذه الرواية، محمّد بن حيويه، وهو أبو العباس الخزاز، قال فيه الخطيب نفسه في رقم: (١١٣٩) و"كان متساهلًا فيما يرويه يحدث عن كتاب ليس عليه سماعه".

وتقول لجنة التعليق على الترجمة:

"نعم، إن أبا حنيفة قد نقل عنه هذا الذي رواه الخطيب من طريق صحيحة، ومعنى كلامه - رضي الله عنه -، أنه مصدق بالله ورسله وكتبه، تصديقًا جازمًا لا يعتريه في ذلك، تردد، ويجب على كل إنسان أن يكون مصدقًا على هذا النحو، لأنه لا معنى للإيمان مع الشك، ومن وقف على ما قاله العلماء المتكلمون، وغيرهم، في مسألة الاستثناء في الإيمان، يجد ما قاله أبو حنيفة - رضي الله عنه - أبعد عن التهمة، ودخول الشك في الإيمان، وأنه إنما ذهب إلى ما ذهب من حظر الاستثناء في الإيمان، خشية اعتياد النفس التردد فيه. وفي ذلك من مفسدة الخروج منه ما لا يخفى، كما قرر ذلك شارحو كلامه: ولم ينفرد أبو حنيفة بهذا، بل هو قول كثير من العلماء من أصحابه وغيرهم. وأجاز كثير دخول الاستثناء في الإيمان، ويجب حمل تجويزهم على إيمان الموافاة، وهو بقاء الإيمان إلى الوفاة، لأنه المعتبر في النجاة ويحمل عليه كلام سفيان الثوري. ومن هنا تعلم أن كلام أبي حنيفة، لا يعد جرأة. على أنه قد نقل الخوارزمي في جامع المسانيد، رجوع الثوري إلى قول أبي حنيفة في هذه المسألة" (٣).

وأما الأخبار الثاني والثالث والخامس والسادس، فتتعلق كلها بمسألة واحدة وهي: هل يشترط معرفة مكان الكعبة، وقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإيمان؟ والروايات الأربع المذكورة، تفيد أن أبا حنيفة، لما سئل عن ذلك أجاب بأنه لا يشترط معرفة ذلك، وعلى ذلك، فمن جهل مكان الكعبة، وقبر النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مؤمن، -على حد


(١) تاريخ بغداد: (١٣/ ٣٦٩) - التعليق.
(٢) تاريخ بغداد: (١٣/ ٣٧١ - ٣٧٢).
(٣) تاريخ بغداد: (١٣/ ٣٧١ - ٣٧٢) - التعليق.