للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ير الراوي غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلصق به هذه الفرية؟ ألم يجد شيئًا آخر ينفس به عن الحسد الذي يغلي بداخله وثورة التعصب التي تتأجج؟ ألا فليتق الله كل مسلم، وعلى الأخص كل عالم، فليس كل ما يسمع يقال وليس كل ما يقال يكتب ويسطر، فمثل هذا يعتبر سبة على جبين صاحبه لا يمحوها الدهر.

قال الخطيب:

"أخبرنا محمد بن عبد الله الحنائي أخبرنا محمّد بن عبد الله الشافعي حدثنا محمّد بن إسماعيل السلمي حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا عبد الله بن المبارك قال: من نظر في كتاب الحيل لأبي حنيفة أحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله" (١).

"وبإسناد آخر عن النضر بن شميل يقول: في كتاب الحيل كذا وكذا مسألة كلها كفر" (٢).

وبإسناد آخر عن ابن المبارك -وما أكثر الزعم عن ابن المبارك- قال: من كان عنده حيل أبي حنيفة يستعمله أو يفتي به فقد بطل حجه وبانت منه امرأته، فقال مولى ابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن ما أدري وضع كتاب الحيل إلا شيطان، فقال ابن المبارك: الذي وضع كتاب الحيل أشر من الشيطان (٣).

ثم يذكر الخطيب بعد ذلك روايات كثيرة تدور حول نسبة هذا الكتاب -كتاب الحيل- لأبي حنيفة، ثم الحديث عما في كتاب الحيل من الكفر والأباطيل، ونحن إذا أردنا أن نتحدث عن كتاب هذه صفته نجد أنفسنا في كنى عن مناقشته أو الحديث عنه, لأن الموضوع كله ينصب في نسبة هذا الكتاب له، وبغض النظر عن رجال هذه الآثار والطرق الموصلة إليهم.

وبادئ ذي بدء نقول: إن الكتاب كتاب وهمي اخترعه واخترع ما فيه أحد هؤلاء الرواة ثم ألصقه بأبي حنيفة ليرضي تعصبه دونما نظر لرض الله سبحانه وتعالى ودونما مراعاة لحق مسلم اللهم إلا إذا استحلوا أن يكفروا مؤمنًا فعند ذلك لا حاجة للمناقشة ولا سبيل إلى الحديث عنهم أو معهم لأنه سيكون في أي حال من الأحوال تنابز بالكفر وتشاتم وتسابب نهى عنه الإِسلام ولا يجوز أن نتكلم به ونحن نعيب التعصب ونطلب من الناس الإنصاف.

والذي يجعلنا نرفض إلصاق هذا الكتاب بالإمام أبي حنيفة رحمه الله أنه لم يذكر أحد من أصحاب التراجم -وهم عشرات- هذا الكتاب من مصنفات أبي حنيفة وأصحاب التراجم هؤلاء منهم الشافعي والحنبلي والمالكي ومع هذا فلم يذكروا كتابًا مثل هذا له، ولم يذكره سوى الخطيب، وكل من ذكره بعده فإنما هو ناقل عن الخطيب.

والذي ذكروه من كتب الحيل الشرعية فإنما نسب إلى أبي بكر -أحمد ابن عمر- الحصاف الحنفي المتوفى سنة (٢٦١ هـ) وأبي بكر الصيرفي محمّد بن محمّد الشافعي البغدادي. والمتوفي سنة (٣٣٠ هـ) وأبي حاتم القزويني وأبي عبد الله


(١) تاريخ بغداد (١٣/ ٤٢٦).
(٢) تاريخ بغداد (١٣/ ٤٢٧).
(٣) نفس المصدر السابق (١٣/ ٤٢٧).