للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اليزيدي النحوي -محمَّد بن عباس- المتوفى سنة (٣١٣ هـ) ولابن دريد اللغوي -محمَّد بن الحسن- المتوفى سنة (٣٢١ هـ).

ولم يقل أحد إن أبا حنيفة ألف في الحيل، أو له كتاب في الحيل، فمن أين جاؤوا بهذا الكتاب وكيف ساغ لهم إلصاقه به، اللهم إلا إرادة التشهير وإثارة الفتن، وكأنهم كما قال الشاعر:

رموني بالعيوب ملفقات ... وقد علموا بأني لا أعاب

وأني لا تدنسني المخازي .. وأني لا يروعني السباب

ولما لم يلاقوا فيَّ عيبا ... كسوني من عيوبهم وعابوا (١)

وقد تصدى له للرد على هذه الروايات الإمام ابن تيمية رحمه الله -كما نعرفه بأنه أكثر الناس دفاعًا عن مذاهب السلف وأصولهم وقواعدهم- فقال: "ولا يجوز أن ينسب الأمر بهذه الحيل التي هي محرمة بالاتفاق أو هي كفر إلى أحد الأئمة، ومن ينسب ذلك إلى أحد منهم فهو جاهل بأصول الفقهاء" (٢).

وقال أيضًا: "وإنما عرضنا هنا أن هذه الحيلة التي هي محرمة في نفسها لا يجوز أن ينسب إلى إمام أنه أمر بها فإن ذلك قدح في إمامته وذلك قدح في الأمة حيث ائتموا بمن لا يصلح للإمامة، وفي ذلك نسبة بعض الأئمة إلى تكفير أو تفسيق، وهو غير جائز" (٣).

والإمام ابن تيمية يريد أن يقول لمثل هؤلاء: إن الحق أحق أن يتبع فلا يجوز الطعن في إمام من الأئمة المتبوعين، فمن فعل ذلك فهو جاهل بأصول الفقهاء، لا غير. وهو فوق ذلك يرتكب محرمًا من المحرمات لا يسوغها أي ظرف ولا يجيزها أي عالم.

فمن الذي يستحل المحرمات إذن؟ هل الذي اتهم ولم تثبت تهمته ولم يقل إلا ما أداه إليه اجتهاده فيما لا نص فيه؟ أم الذي يتهجم على العلماء دون دليل، ولا يتهجم فحسب! ! بل يكفر من يقول: لا إله إلا الله ومن دانت له الدنيا وأقرت له بالعلم وشهدت له بالإيمان والإمامة؟ فمن يا ترى يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل ولماذا لم يقيموا لنا دليلًا واحدًا على نسبة هذا الكتاب إلى الإمام الأعظم؟ ؟ ولو كان لديهم دليل ما تأخروا لحظة ولا توانوا برهة, لأنهم حاولوا جاهدين البحث عن خطأ أو زلل فلما أعياهم ذلك لفقوا التهم واختلقوا الحكايات.

وإذا كانوا يرون أن أبا حنيفة خرج عن مسيرة المحدثين، فهل يجوز لمحدث أن يختلق أن يتهم دون دليل؟ وهل يجيز الحديث للمحدثين تكفير الناس؟ نقول بملء الفم: لا، فهذا ليس من شيم المحدثين، وإنما المحدثون الحقيقيون الذين قالوا عندما سئلوا عن الإِمام أبي حنيفة: لا نكذب الله ما رأينا شيئًا. فهذا هو الإنصاف أنه لا يريد أن يمدح ولا يثني ولكنه لم يجد ذمًا فخاف الله أن


(١) ديوان الرضى (١/ ١٢٧) ط دار صادر - بيروت.
(٢) فتاوى ابن تيمية: (١٢/ ٣٥).
(٣) نفس المرجع السابق.