للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يتقول على إنسان بما ليس فيه وذلك هو البهتان العظيم.

وإلى هنا نكتفي بالقدر الذي نقلناه عن الخطيب في تجريح الإِمام أبي حنيفة والذي سوف نرد عليه بعد تصنيف ذلك الكلام. والرد على هذه الشبهة شبهة ولم يبق إلا أن نورد ألفاظ التجريح المصطلحية التي ذكرها بعض العلماء المشهورين بالجرح والتعديل. وسوف أوردها أولًا مع ذكر مصادرها، ثم أعود فأصنفها ثم نرد عليها واحدة واحدة من أقوال العلماء والأئمة الآخرين، والاستشهاد بالأدلة والقرائن التي تنفي صحة ما نقله هؤلاء الأئمة.

أولًا: قول البخاري:

قال البخاري في التاريخ الكبير: كان مرجئًا. سكتوا عنه.

وقال في التاريخ الصغير (١): سمعت إسماعيل بن عرعرة يقول: قال أبو حنيفة: جاءت امرأة جهم إلينا ها هنا فأدبت نساءنا.

وقال: "سمعت الحميدي يقول: قال أبو حنيفة: قدمت مكة فأخذت من الحجام ثلاث سنن: لما قعدت بين يديه قال لي استقبل القبلة، وبدأ بشق رأسي الأيمن، وبلغ إلى العظمين" قال الحميدي: فرجل ليس عنده سنن عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه في المناسك وغيرها كيف يقلد أحكام الله في المواريث والفرائض والزكاة والصلاة وأمور الإسلام (٢).

أما قوله في التاريخ الكبير: سكتوا عنه فهذه تحسب لأبي حنيفة من حيث اصطلاح البخاري، لأنه إذا قال عن فلان مسكوت عنه فإنه يعني عنده أنه مقبول.

كما قال الدارقطني (٣)، وإن كنا في الواقع نأبى على البخاري أن يصدر منه هذا الحكم إلا أننا لا نستطيع مناقشته لأنه نقله عن شيخه الحميدي، والحميدي إنما ضعفه لأجل ما بلغه من أنه كان مرجئًا، وهذه قضية سوف نفرد لها مبحثًا خاصًّا مع الشبه التي أثيرت حول الإِمام. والمسؤول عنها الحميدي لأنه رواها بلا إسناد وعلق عليها بكلامه يطعن بعلم أبي حنيفة وفقهه، وهو ليس من أقران أبي حنيفة (٤) -أقصد الحميدي عبد الله بن الزبير- ولم يذكر لنا عمن روى هذه الحكاية وأنه أخذ سنن المناسك من حجام، ولنفرض أنه صح منه هذا الكلام فلعلها كانت أول حجة حجها وقد كان سنه فيها صغيرًا لم يطلب العلم بعد، وهل يعقل أن يقول هذا بعد أن صار إمامًا يعلم الأمة مناسكها وحلالها وحرامها ثم هو يجهل كيف يحلق شعره على السنة؟ كنا نود ألا ينزلق الإِمام الحميدي إلى مثل هذا -والكلام لاصق به لا محالة- وما كنا نود أن تخرج هذه الكلمات من أئمة الحديث, لأنهم أوقعونا في حرج بالغ، ومع هذا فإن اتهام الحميدي لأبي


(١) التاريخ الصغير: (٢/ ٤٣).
(٢) التاريخ الصغير: (٢/ ٤٤).
(٣) العلل للدارقطني: (١/ ١١٥).
(٤) لأنه توفي سنة (٢٢٠ هـ) ولم يلتق بأبي حنيفة ولم يرو عنه، وإنما نقل هذا عمن فوقه. انظر ترجمته في: التاريخ الكبير (٥/ ٩٦)، والتهذيب (٥/ ٢١٦ - ٢١٩)، وسير أعلام النبلاء (١٠/ ٦١٦)، والوافي بالوفيات (١٧/ ١٧٩)، والجرح والتعديل (٥ / رقم ٢٦٤).